جاكوب وايزبيرغ - إنترناشيونال هيرالد تربيون
تقدم كلمات جورج دبليو بوش الوداعية ليلة الإثنين من الأسبوع الماضي فرصة لتأمل أي نوع من الرؤساء كان.. ذلك أن الكلمة التي كان ألقاها قبل سبع سنوات كانت تشير إلى نوع من الرؤساء مختلف كلية، والذي كان يمكن أن يكونه.
كان الرئيس بوش قد استهل خطابه في شباط-فبراير 2001 بتمجيد روح التعاون الجديدة التي أمل بأن تميز علاقاته مع الكونغرس. وقال في حينه: quot;معاً، سنغير النبرة في عاصمة البلادquot;. كانت الأولوية الأولى للرئيس الجديد هي التعليم.. وكان في نيته مزاوجة الرغبة الليبرالية بتخصيص المزيد من الأموال الفيدرالية مع مطالب المحافظين بمعايير معيشة أعلى.
كان باقي الخطاب معتدلاً في النبرة والجوهر على نسق مشابه. وخطط بوش لاستخدام جزء من الفائض المالي الهائل الذي ورثه من أجل إجراء خفض ضريبي يخدم قاعدة عريضة. لكنه أراد أن يزيد أيضا منافع الرعاية الطبية، وأن يحافظ على مظلة الضمان الاجتماعي، وأن يوسع مسالك الوصول إلى الرعاية الطبية، وأن يحمي البيئة، واختتم خطابه بكيل المديح لنزعة التشارك، فقال بالإسبانية: quot;Juntos podemosquot;، أي quot;معاً نستطيعquot;.
بدا في حينه أن بوش يريد عن حق أن يكون نفس الرئيس الذي أشار إليه في خطابه الأول ذاك.. وكان يقصد العمل على بناء ائتلاف واسع على طريقة حكمه في ولايته quot;تكساسquot;، حيث عمل عن كثب مع الديمقراطيين في المجلس التشريعي، وجعل من تصحيح الفوارق العنصرية في التعليم قضيته الرئيسة، فأعيد انتخابه عام 1998 بهامش بلغ أربع نقاط مئوية تقريباً، بما في ذلك حصد 27% من أصوات السود، إضافة إلى ثلث أصوات الأميركيين اللاتينيين على الأقل.
لطالما أعجبني جورج دبليو بوش ذاك بشكل ما. أيكون ذلك بغض النظر عما يحدث له؟
لم يتخل بوش بالكامل أبداً عن نزعته المحافظة الوجدانية التي لمحناها في تلك الليلة قبل سبع سنوات. وقد عكست كلمته الثانية الموجهة إلى الكونغرس بعد تسعة أيام من 11 أيلول-سبتمبر عام 2001 ردة فعله الغريزية على الهجمات، والتي كان ينبغي أن تروق لأطياف الوحدة الوطنية بطريقة لا حزبية. أما خطاب بوش الثالث أمام الكونغرس (أول خطاب رسمي له عن حالة الاتحاد في عام 2002) فيظل عالقاً في الذاكرة بسبب إشارته إلى quot;محور الشرquot;، لكن الرئيس تفاخر أيضاً بتعاونه مع ديمقراطيين، مثل جورج ميللر وتيد كنيدي فيما يتصل بسياسة التعليم. أما أقوى تركيز له فكان على الخدمات العامة، واقترح مضاعفة حجم المؤسسات السلمية Peace Corps ودعا كل أميركي إلى تخصيص 4000 ساعة ndash;أي سنتي عمل كاملتين- لخدمة المجتمع.
في السنة التالية، في عام 2003، دفع بوش بقضيته الخاصة بغزو العراق، ونطق كلمات عبارته العدائية الشهيرة (quot;لقد علمت الحكومة البريطانية بأن صدام حسين سعى مؤخراً للحصول على كميات كبيرة من اليورانيوم من إفريقياquot;). لكن بوش قدم للكونغرس، إلى جانب ذلك الاتهام المخاتل، مجموعة جديدة من المبادرات المتسمة بوسطية التفكير: قدم الرئيس 450 مليون دولار لتلبية احتياجات أبناء السجناء، و600 مليون دولار لمعالجة مدمني المخدرات، و1.2 بليون دولار لتطوير السيارات التي تسير بالطاقة الهيدروجينية، و10 بلايين دولار في شكل مخصصات جديدة لمكافحة مرض نقص المناعة المكتسب -الإيدز- في إفريقيا ومنطقة الكاريبي.
هكذا استمر واقع الحال في كل كلمة لاحقة ألقاها. في عام 2004، استخدم بوش كلمات مراوغة لوصف أسلحة الدمار الشامل العراقية المفقودة، وادعى بأنه قطع العمل على تطوير quot;عشرات الأسلحة التي لها علاقة بنشاطات برنامج أسلحة الدمار الشاملquot;.. لكنه عندما استدار إلى القضايا المحلية أماط اللثام عن برنامج للعلوم والرياضيات يقدم للطلبة من ذوي الدخول المنخفضة، وبرنامج آخر لمساعدة السجناء السابقين على الدخول مجدداً في المجتمع، وضمن كلمته مناشدة بليغة لوضع ذلك النوع من إصلاح قوانين الهجرة الذي quot;يعكس قيمنا ويفيد اقتصادناquot;.
حتى هذا اليوم، لم تتلاشَ أبداً نزعة بوش المحافظة المتعاطفة.. كان لبعض برامج بوش المميزة، مثل مبادرته إلى منح أدوية مرض الإيدز للأفارقة، آثار كبيرة يعتد بها. لكن مبادرات أخرى لم تذهب إلى حد تحقيق الوعود الخطابية بها: فماذا عن التدريب الخاص لمحامي الدفاع المشتغلين بالقضايا التي قد تنطوي على أحكام بالإعدام (وهو ما ألزم نفسه به في خطابه عن حالة الاتحاد لعام 2005)؟ ومبادرة التشجيع على مراقبة الأطفال المعرضين للخطر (2006)؟ ومبادرة المنح المخصصة لزيادة تغطية التأمين الصحي (2007)؟ كل تلك المبادرات مالت إلى أن تتلبث هنيهة في الهواء، فقط بالقدر الذي تطلب الرئيس حتى يتحدث عنها، واختفت.
هذا ما حدث غالباً مع بوش، حكومة متعاطفة بدأت وانتهت بالعبارات والتصريحات والتأكيدات التي يتلقاها الإحساس على أنها مخلصة. لقد كان مأخوذاً جداً بالحرب والسياسة الخارجية، وشديد الضجر بفعل إجراءات الحكم، بحيث لم يعرف إذا ما كان الناس الذين يعملون لديه يتابعون تنفيذ اقتراحاته.
وبالطبع، تصرفت يد بوش اليسرى وكأنها لم تعرف ما الذي كانت تفعله يده اليمنى. وبعد سنته الأولى في الرئاسة، كان الديمقراطيون الذين أحرقتهم استراتيجيته السياسية الاستقطابية يحجمون عن العمل معه على إنجاز أهداف مشتركة.
يظل هذا المحافظ المتعاطف شخصية تلقى القبول، لكنه يظل شخصية خيالية وقصصية إلى حد كبير. وأنا أتساءل كيف كانت السنوات السبع الأخيرة لتكون لو أنه كان موجوداً فعلاً على أرض الواقع. وفي هذه السنة الأخيرة من الرئاسة الفاشلة، أراهن على أن بوش نفسه يسأل نفس السؤال.
التعليقات