الياس حرفوش
لم تعد الانتخابات الايرانية التي ستجري في 14 آذار (مارس) المقبل فرصة فقط لاختيار 290 عضواً للمجلس الجديد. فحكومة أحمدي نجاد تضع هذه الانتخابات في إطار ما تسميه المواجهة الكبرى مع العالم. لهذا تشعر بجزع كبير حيال أي صوت في الداخل ينتقد سياساتها الخارجية او حتى قراراتها الاقتصادية. مما دفع لجان مراقبة الانتخابات ومجلس صيانة الدستور الى التشدد في قطع الطريق على اسماء بارزة في العمل السياسي بحيث بلغ عدد الممنوعين من الترشيح اكثر من ألفي شخص.
رئيس لجنة الأمن الوطني والسياسة الخارجية في المجلس علاء الدين بوروجردي عبر عن حال الجزع بالقول إن اجراء الانتخابات في هذا الظرف الحساس بالنسبة لايران هو تحد لقوى الاستكبار العالمي حسب رأيه. ونقل عن المرشد الاعلى علي خامنئي ان المشاركة الواسعة للايرانيين في هذه الانتخابات هي القضية الاساسية التي يؤكدون من خلالها تمسكهم بالنظام الاسلامي. والى ذلك تتسع الدعوات في ايران الى مشاركة واسعة اخرى في احتفالات الذكرى التاسعة والعشرين للثورة بعد غد، الأمر الذي يوحي بأن هذه الثورة لا تزال بحاجة الى امتحان دوري بثقتها بذاتها وبثقة الناس بها لتضمن البقاء، على رغم ما توحيه ادبياتها السياسية من أنها باتت متجذرة في ضمير المجتمع الايراني.
فعندما يصل مجلس صيانة الدستور في ايران الى مرحلة يجد فيها ان من الضروري مراقبة سلوك المهندس علي اشراقي، حفيد مؤسس الثورة الاسلامية آية الله الخميني، للتأكد مما اذا كان يصوم ويصلي او انه يدخن، قبل أن يتخذ قراراً بمنعه من الترشح للانتخابات، فلا يدل هذا الا الى الدرجة التي بات معها النظام الحالي في طهران يشعر باهتزاز ثقته بنفسه وبأقرب الناس اليه، بحيث لا يتردد في laquo;توجيه الإهانة الى عائلة الخمينيraquo;، كما وصفه اشراقي نفسه.
يقول هذا المهندس الشاب الذي كان طفلاً في الثانية عشرة من عمره عندما قام جده بإسقاط نظام الشاه قبل 27 سنة، انه لا يريد أن يعترض علناً على قرار مجلس صيانة الدستور كي لا يسيء الى اسم عائلته، لكنه كان شجاعاً في الحديث الى وكالات انباء اجنبية في طهران وقال لهم انه لا يوافق على مراقبة المرشحين ومنعهم من الترشيح بناء على تقديرات اللجان الحكومية ومجلس صيانة الدستور. كما ذكر ان المسؤولين طلبوا منه ان يبعث اليهم برسالة يعترض فيها على قرارهم بمنعه من الترشيح فقال لهم: اذا كنتم تعتقدون انكم مخطئون فعليكم ان تتراجعوا عن القرار بأنفسكم!
قد لا يملك هذا الشاب من النفوذ الذي يسمح له بالاعتراض سوى اسم العائلة والنسب، لكن هناك شخصيات نافذة مثل الرئيس السابق محمد خاتمي الذي اعتبر منع اكثر من ألفي مرشح من خوض الانتخابات بأنه laquo;كارثة تهدد البلادraquo; ووصف الذين مُنعوا بأنهم laquo;شرفاء ومسلمون صالحونraquo; وقال ان هذا التوجه laquo;يهدد الثورة والنظام والمجتمعraquo;. ومع ان هذه ليست المرة الاولى التي يرتفع فيها صوت خاتمي ضد سلوك الادارة الحالية في ايران فإنه لم يسبق له ان حذر من ان هذا السلوك يشكل خطراً على الثورة والنظام. وهذا يعني ان هناك اتفاقاً في ايران على وجود تهديدات ضد الثورة، لكن هناك خلافاً عميقاً بين الفئات السياسية حول اسباب هذا التهديد. فبينما يعتبر احمدي نجاد وجماعته وبرعاية من خامنئي ان تصعيد الغرب لحملته بسبب الملف النووي يستهدف النظام، يرى فريق الاصلاحيين والمحافظين المعتدلين، ممثلاً بخاتمي وهاشمي رفسنجاني والرئيس السابق لمجلس الشورى مهدي كروبي، ان السلوك الداخلي للقادة الحاليين هو مصدر التهديد الاكبر. فاستبعاد مجموعة واسعة من اصحاب الرأي السياسي المختلف عن القدرة على التنافس في الانتخابات المقبلة يضعهم بصورة طبيعية في موقع لا تعود لهم مصلحة معه في الدفاع عن الثورة ونظامها، خصوصاً عندما يتم تصنيفهم في خانة من يهددون هذا النظام.
ان القناعة السائدة في صفوف الاصلاحيين ان هذا الفرز العشوائي الذي حصل للمرشحين لا يهدف الى خدمة اهداف الثورة بل الى مساعدة احمدي نجاد والمدافعين عن سياساته على الفوز عليهم، وهو بالضبط ما حصل في الانتخابات الماضية سنة 2004. وامام هذه القناعة تصبح المشكلة الداخلية في ايران مصدراً اكبر لقلق من يشرفون على رعاية الثورة من قلقهم حيال التهديدات الخارجية المتصلة بالملف النووي وتفرعاته.
التعليقات