رضي السماك
في نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي صدر في ldquo;إسرائيلrdquo; واحد من أخطر تقارير التحقيق القضائي العسكري حول تعثر أداء الحرب العدوانية التي شنها الجيش ldquo;الاسرائيليrdquo; على المقاومة اللبنانية والشعب اللبناني في يوليو/تموز من عام ،2006 وعلى الرغم من مرور حوالي شهر على صدور هذا التقرير فإن ردود الفعل ldquo;الإسرائيليةrdquo; والعربية والعالمية مازالت تتوالى لتحليل أبعاده ومغزاه واستشفاف انعكاسات نتائجه على الساحة السياسية الداخلية ldquo;الإسرائيليةrdquo;.
أهمية هذا التقرير، الذي عرف بتقرير ldquo;فينوجرادrdquo; نسبة إلى اسم القاضي المتقاعد الذي ترأس لجنة التحقيق الياهو فينوجراد، تمثلت فيما يتسم به من شفافية صريحة في تسمية الأشياء بأسمائها لدى تحليل وتحديد أوجه نقاط الإخفاق العسكري ومسبباتها، بعيداً عن المحاباة وتحديد المسؤولين عنه أياً كانت مكانتهم، وهو ما يعكس درجة كبيرة من حيادية لجنة التحقيق النيابية العسكرية ونزاهتها وما تتمتع به من استقلالية كاملة وسلطة كاملة عليا في ممارسة مهمتها تعلو على أي سلطة أخرى في هذا الملف تحديدا.
من هنا فقد تنفس قائد العدوان العسكري على لبنان رئيس الحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; ايهود أولمرت الصعداء بعد أن صدر التقرير من دون أن يطالبه بالاستقالة، كما كان متوقعا، رغم أن التقرير وثيقة سرية يشتمل على 600 صفحة و60 ألف وثيقة سرية و74 شهادة أدلى بها مسؤولون سياسيون وعسكريون وخبراء من مختلف المناصب والرتب أمام لجنة التحقيق، ولم يتوان هذا التقرير القنبلة عن وصف اعلان الحرب بأنه جاء متعثرا وأن مسار الحرب شكل اخفاقا كبيرا وخطيرا يعكس ثغرات على أعلى مستويات الهرم السياسي والعسكري معا، وأن العملية البرية لم تحقق أهدافها، وان إدارة الحرب برمتها كانت متعثرة على المستويين السياسي والميداني العملي، كما أشار تقرير ldquo;فينوجرادrdquo; الى أن الجيش عجز عن صد صواريخ حزب الله التي أطلقها على مدن وقرى ldquo;إسرائيلrdquo;.
وحاول التقرير في سياق توخيه تحقيق شيء من التوازن بين التقييم الايجابي والسلبي أن يتلمس بعض الايجابيات التي حققها الجيش خلال الحرب مثل ldquo;بطولاتrdquo; سلاح الجو في إسقاطه القذائف على لبنان، ومثل تحقيق بعض الايجابيات السياسية، كصدور قرار مجلس الأمن رقم 1701 بالإجماع، وركز التقرير على المسؤولية العسكرية في الاخفاق أكثر من تركيزه على المسؤولية السياسية، لكنه وجه انتقادات عديدة إلى أولمرت.
ولئن كان مفهوما أن يثير التقرير جدلا عاصفا واسع النطاق فيما بين القوى السياسية المتصارعة على السلطة في ldquo;اسرائيلrdquo; من حيث مدى حياديته الكافية فإن ذلك لا ينفي ما تمتعت به اللجنة من استقلالية وحيادية ولو بالحدود الدنيا، ولا سيما أن تقريرها الأولي الذي صدر قبل التقرير النهائي الأخير أجبر كلا من وزير الحرب السابق عمير بيريتس ورئيس الأركان دان حالوتوس وقائد الجبهة الشمالية عودي آدم إلى تقديم استقالاتهم.
وإذا كانت تلك هي أبرز ردود الفعل المتوالية على التقرير داخليا على الجانب ldquo;الاسرائيليrdquo; فماذا عن ردود الفعل على الجانب العربي بوجه عام والجانب اللبناني بشكل خاص، وعلى الأخص حزب الله، الطرف الثاني في حرب صيف 2006؟
من الواضح أن العواصم العربية، وعلى الأخص دول الطوق التي دخلت في حروب نظامية سابقة مع العدو ldquo;الاسرائيليrdquo; لم تكثرت البتة بمغزى ودلالات التقرير، فجاء كأنه لا يعنيها من قريب، أو من بعيد، ولا سيما أن معظمها دخل في معاهدات سلام مع ldquo;إسرائيلrdquo; وليست في وارد خوض أية حروب جديدة.
وبناء على ذلك يكاد يضيع جانب مهم من مغزى تقرير فينوجراد الذي يمكن أن يستفيد من دروسه العرب على مستوى الدول العربية التي منيت بهزائم خطرة ما زالت ماثلة تداعياتها وانعكاساتها الجسيمة المتعددة الأبعاد سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا رغم مرور عقود على وقوعها وعلى الأخص هزيمة يونيو/حزيران ،1967 حيث لم تتشكل ولو لجان تحقيق قضائية عسكري مستقلة كلجنة فينوجراد لها سلطة عليا فوق كل السلطات في تأدية مهامها ليناط بها تحديد أسباب الهزيمة وعزل كل المتسببين في وقوعها أيا يكن علو مراتب ومناصب سلطاتهم السياسية والعسكرية.
أما على مستوى حزب الله فعلى الرغم مما حققه من بلاء بطولي مشهود خلال الحرب فإنه لم تصدر عنه حتى الآن وقفة تقويمية صريحة في المراجعة والنقد الذاتي ليس لأوجه الإخفاق العسكري المقاوم فحسب فهي محدودة، عدا أنها خاضعة لعمله السري فلا يجوز البوح بها، وان كان يمكن تحديدها على نحو عمومي لا يضر.
ولعل أبرز مراجعة نقدية موضوعية كان يفترض أن تقدم قيادة حزب الله على التمسك بها وتعميقها هي مسألة المفاجأة المباغتة لرد الفعل ldquo;الإسرائيليrdquo; الكاسح المتمثل في شمولية العدوان ووحشيته، وهو ما اعترف به الأمين العام السيد حسن نصرالله في الأيام الأولى من الحرب.
التعليقات