محمد الرميحي

ينصرف الذهن عند الحديث عن اجتماع القمة، إلى القمة العربية نفسها التي سوف تعقد أواخر هذا الشهر -ربما- في دمشق، لأنه حتى الآن لم يظهر اليقين النهائي لعقدها لا في التوقيت ولا في المكان. إلا أن القمة التي قبلها وهي، القمة الإسلامية، سوف تعقد في دكار العاصمة السنغالية بعد يومين. هذه القمة وهي الأشمل والأكثر حضورا، والتي سوف يحضرها حوالي أربعة وخمسين ملكا ورئيس دولة، من بينهم الرؤساء والحكام العرب، ومن المؤكد أن يجري فيها التشاور بين القادة في أمور الساعة، فهي القمة التي تسبق القمة العربية، وهي أيضا تلحق بالموعد الذي حدده رئيس مجلس النواب اللبناني المجمد نبيه بري، أي الحادي عشر من الشهر الحالي (بعد غد) لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، وهي إحدى العقد المستعصية لاستكمال حضور القمة العربية في دمشق، وبالتالي نجاحها أو فشلها، ووقتها سيعرف العالم ما إذا كان هناك من تسهيل أو تسريع لفك عقدة لبنان أو أن هناك إضافة جديدة لعقدها.

قمة دكار أيضا قمة إقليمية بشكل ما، سوف تحضرها الدول الإسلامية، ومن بينها إيران وتركيا، الأولى نشطة جدا في الموضوع الخاص بالعرب (لبنان، سورية، فلسطين)، والثانية نشطة في العراق وسورية أيضا. إذن هي مكان للتشاور الإقليمي الذي يمكن أن ينتج عنه قمة تسهيل عَقْد قمة عربية ناجحة، أو قمة بمن حضر تذكرنا ببعض القمم العربية الفاشلة سابقا.

بسبب ما يعتري الوضع العربي من وهن سياسي ملحوظ، ومن عدم قدرة على اتخاذ قرار حاسم في الموضوع اللبناني، تنشط كل من إيران وتركيا في مجالها الحيوي الأكثر هشاشة، وهي الساحة العربية. فالساحة مفتوحة لخوض غمار الصراع من الغير إلى الغير. تركيا مع عدو أزلي أقض مضجعها، وهو حزب العمال الكردي. أما إيران فهي، وبسبب الكثير من العوامل، ترى في الخاصرة العربية الهشة مكانا للضغط منه على الغرب بغية الإفساح لها في تطوير موقعها الدولي، الذي ترى فيه اليوم تطويراً لقدراتها النووية، وقد ترى فيه في المقبل من الأيام أجندة أخرى.

استخدام إيران المجال الإعلامي وموقفها من إسرائيل، يقرّب صورتها كثيرا إلى قطاعات واسعة في الفضاء العربي، كما أنها تمزج ذلك بموقف laquo;ثوري وطائفيraquo; في آن، تراوح تكتيكاته بين التزلف للقضية العربية، والتهجم على المتقاعسين عنها، أي ممارسة الكلام والتبرؤ من الفعل. نجح هذا التكتيك حتى الآن باستقطاب بعض العرب الذين استطابوا تدخلها المباشر في شؤونهم.

قد تكون قمة دكار بروفة للقمة العربية المقبلة، فإن تقدمت المفاوضات هناك بين إيران من جهة، وجهات عربية نافذة، كما يبدو من التحرك الإيراني السابق للقمة، والتهدئة التي ذهب إليها اجتماع وزراء الخارجية العرب تحوطا للابتعاد عن صب الزيت على النار، إن ذهب الأمر إلى توافق، وحصل لبنان على رئيس إما بعد الغد أو بعده بأيام، فقد تنقذ القمة العربية من الانفراط بفعل ذلك. وإن لم تصل الأطراف في قمة دكار إلى تقارب، فقد يبنى الشيء على مقتضاه، وتفشل القمة العربية. وهي، إن فشلت، فلن تكون في ذلك الأولى، فلقد خبرنا في السنوات القليلة الماضية مثل هذا الأمر، وعلى خلاف أقل بكثير من الأجندة الحالية، وهي إنقاذ لبنان الدولة التي يرغب العرب بأن تستمر في أداء دورها مستقلة وبعيدة عن الضغوط، إلا أن فشل تخريج الحلول العربية من الأجندة وتدخّل دول كبرى لوضع الأمور في نصابها وبالتالي تدويل المنطقة أكثر مما هي مدولة فسيكون ذلك وبالاً على الجميع.

ما علينا إلا الانتظار، فإن جنحت إيران إلى دفع إستراتيجيتها في اتجاه التهدئة، على الأقل لكسب جناح عربي مهم، وهو جناح الاعتدال، فقد يساعدها ذلك في الوقوف أمام الضغوط المتزايدة من دول الغرب الصناعي، وآخرها القرارات التي اتخذت ضدها في مجلس الأمن، وإن هي جنحت في اتجاه التصعيد ودفعت بحلفائها من العرب إلى المواجهة، فسيكون هذا التصعيد على حساب الساحة العربية في كل من لبنان وغزة، وربما يتعدى الأمر هاتين الساحتين إلى ساحات عربية أخرى لإيران بعض نفوذ فيها. وفي كل ذلك سيكون المحارب الإيراني على صهوة جواد عربي، فإن خارت قوى هذا الجواد فإنّ الفارس قد يترجل ويصل إلى وفاق مع مناوئيه. وكل الجهد العربي المبذول هو ألا يستخدم هذا الجواد العربي في أتون معركة هو مقود فيها لا قائد.