جلال عارف
ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي في المنطقة. والزيارة التي تم الإعلان عنها بصورة مفاجئة قبل أيام تكتسب أهمية فائقة من الظروف التي تتم فيها.
والرئيس الأميركي ركز عند الإعلان عن الزيارة على أن نائبه القوي يذهب للمنطقة ليقدم laquo;تطميناتraquo; في شأن التزام واشنطن العمل لتطبيق اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وهو ما يعني الاعتراف بأن هذا الالتزام أصبح موضع شك، وهو أمر طبيعي في ضوء موقف أميركي لا جديد في انحيازه لإسرائيل، ولكن الجديد أن يتحدث عن عملية سلام بينما يقدم التغطية والدعم لإسرائيل وهي تعلن عن laquo;هولوكست أشدraquo; ضد الشعب الفلسطيني، وتقتل مائة وثلاثين فلسطينيا في ثلاثة أيام أكثر من ربعهم من الأطفال.
ثم ترفض واشنطن أي إدانة للمحرقة الإسرائيلية وتمنع مجلس الأمن من اتخاذ أي موقف، بينما تسارع بعد أيام لدعوة هذا المجلس لإدانة الفلسطينيين المتوحشين (!!)
لان شابا فقد شعوره من كل هذا الظلم ففجر نفسه في مدرسة لتخريج المتشددين الإسرائيليين الداعمين لإبادة الشعب الفلسطيني أو طرده من أرضه، ثم يعبر البيت الأبيض عن اشمئزاز الإدارة الأميركية من وحشية الفلسطينيين والعرب لأنهم لم يقيموا سرادقات العزاء في الضحايا اليهود لهذا الهجوم، لأنهم كانوا مشغولين بدفن العشرات من الأطفال والعجائز والنساء الذين قتلتهم إسرائيل وأعلنت الإدارة الأميركية أن هذا laquo;الهولوكستraquo; الذي تقيمه إسرائيل للشعب الفلسطيني هو عمل مشروع من أعمال الدفاع عن النفس!!
إعلان الرئيس الأميركي أن نائبه ديك تشيني سيقدم laquo;تطميناتraquo; حول الالتزام الأميركي لعملية السلام التي أطلقتها أميركا في مؤتمر أنا بوليس، والتي يعلم الجميع إنها لن تقيم الدولة الفلسطينية التي وعد بها قبل انتهاء ولايته، لا يعني في الحقيقة شيئاً له قيمة.. فلا الاستيطان سيتوقف، ولا تهويد القدس ستكون له نهاية، والمباحثات بين الجانبين ستستمر بعيداً عن القضايا الأساسية لتركز جهودها على قضايا مثل laquo;ثقافة السلامraquo; وموقع الدولة الفلسطينية الموعوده (!!) في المنظمات الإقليمية والدولية!!
و لكن هل السيد تشيني هو الرجل المناسب لتقديم laquo;التطميناتraquo; التي أعلن عنها الرئيس الأميركي؟ وهل الرجل الذي تزعم غلاة اليمين الأميركي المتشدد المدعوم من الصهيونية المسيحية ، والذي كان القائد الحقيقي للسياسة التي نفذها الرئيس بوش وقادت بلاده إلى الكارثة التي تواجهها الآن، وقاد منطقتنا إلى أسوأ أزمة عاشتها بعد تدمير العراق واحتلاله، وبعد إطلاق يد إسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها ضد الفلسطينيين، وبعد اعتماد سياسة إشاعة الفوضى في المنطقة العربية تمهيداً لإعادة رسم خريطتها بما يتوافق مع المصالح الأميركية وحدها..
هل هذا الرجل هو الذي يطمئن العرب ويجدد ثقتهم في إمكان تغيير السياسة الأميركية لتكون أكثر انحيازاً للعدل ولاستقرار المنطقة وللمصالح الأميركية نفسها، بدلاً من الاقتصار على الانحياز الأعمى لإسرائيل ولو على حساب المواطن الأميركي نفسه الذي يقتل في العراق، ويواجه الكراهية في العالم، ويدفع فواتير حروب غير مبررة بتراجع اقتصادي يهدد بكارثة تمتد آثارها من أميركا إلى اقتصاديات العالم كله؟
و لا أظن أن هناك laquo;ما يطمئنraquo; بالنسبة لنا في باقي جدول الأعمال الذي حدده البيت الأبيض لجولة نائب الرئيس في المنطقة. فالبيت الأبيض يعلن أن تشيني سيبحث التهديدات التي تحدق بالشرق الأوسط، وقبل أن يفكر أحد في استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية ونكبة العراق، يسارع الرئيس الأميركي بتحديد أولوياته في هذا التهديدات فيؤكد على إيران وضرورة التصدي لها، متصوراً أن حديثه عن laquo;احترام اتفاقاتنا وعلاقاتنا مع أصدقائنا وحلفائناraquo; يمكن أن يطمئن دول الخليج التي قد laquo;يطمئنهاraquo; أن تبحث في مثل هذه القضايا مع مسؤولين أميركيين مثل كوندوليزارايس التي كانت في المنطقة قبل أيام من الزيارة المقررة لنائب الرئيس.
ولكن عندما يكون الحديث مع دول الخليج العربية عن laquo;التهديدraquo; الإيراني من قائد فريق الحرب في الإدارة الأميركية فليس في الأمر ما يطمئن. وعندما يأتي تشيني بكل تاريخه في التشدد والإيمان باستخدام القوة العسكرية الأميركية في حسم الصراعات الدولية والإقليمية، وتصاحبه تصريحات الرئيس عن laquo;التهديدraquo; الإيراني.
وتحرك البوارج الأميركية إلى سواحل لبنان وسوريا وسط تأكيدات بأنه سيبحث أيضاً في جولته الدور الإيراني والسوري في لبنان وغزة (!) وتصاحبه أيضاً استقالة الجنرال ويليام فالون وسط جدل معلن عن معارضته لتوجهات الإدارة الأميركية نحو تصعيد الموقف مع إيران وفي المنطقة.. فإن الحديث عن laquo;التطمينات الأميركيةraquo; يبدو خارج السياق تماماً!
و تبقي نقطة أساسية في جولة تشيني، وهي النقطة المتعلقة بأسعار البترول. فالرجل بما تربطه بدول المنطقة من علاقات قديمة منذ كان وزيراً للدفاع مع الرئيس الأسبق بوش الأب أثناء حرب الخليج، وبارتباطاته من ناحية أخرى (هو ورئيسه) مع شركات البترول الأميركية، وبموقعه الأساسي في الإدارة الأميركية التي قادت أميركا إلى واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية، سوف يثير موضوع ارتفاع سعر البترول وسوف يطلب من السعودية أن تقود اتجاهاً لزيادة الإنتاج حتى لو كان ذلك لا يتفق مع مصالحها ولا مع مصالح الدول المنتجة.
وبالطبع لن يتحدث تشيني في المقابل عن الارتفاع المذهل في أسعار الغذاء ولا عن المكاسب الخرافية التي تحققها شركات الأدوية الأميركية والأوروبية دون حساب لعالم تفتك بفقرائه الأمراض.
ولن يتحدث نائب الرئيس الأميركي عن لعبة خفض قيمة الدولار الأميركي والتي لا تأكل فقط الزيادات في أسعار البترول، ولكنها تلتهم أيضاً جزءاً كبيراً من القيمة الحقيقية لمدخرات واستثمارات الدول المنتجة لسلعة ناضبة مثل البترول. وبالطبع فلا مجال للحديث هنا عن laquo;تطميناتraquo; بل عن مصالح.. ومصالح أميركية فقط!!
التعليقات