جهاد المومني

أثارت الأحكام الخمسة القاضية بحبس عدد من الصحفيين مؤخرا حفيظة نقابة الصحفيين وعددا من منظمات المجتمع المدني في الداخل والخارج فصدرت تصريحات وبيانات تسلط الضوء على الحريات الصحفية في الأردن ومن المتوقع أن تلقي هذه القضية بظلال شاحبة على سجلنا الخاص بالحريات عموما، والسؤال الذي نطرحه على المتذمرين اليوم هو : متى لم تصدر عندنا في الأردن أحكام بحبس الصحفيين ،فمنذ قانون المطبوعات للعام 1993 وإلى اليوم لم تتوفر المظلة القانونية لمنع صدور هذه الأحكام ،فجميع القوانين المعدلة أبقت على مواد قانونية تجيز حبس الصحفي حتى بالرغم من عدم ورود مثل هذه المواد في نصوص مباشرة للعقوبات التي ظلت في تصاعد مع تطور العملية الديمقراطية، وفي كل الأحوال فان القضاة يطبقون القوانين ولا يجتهدون في تغييرها أبدا وما دام قانون المطبوعات الذي أقرته مجالس الأمة المتعاقبة يجيز حبس الصحفي، إذن فقضيتنا كصحفيين مع السلطة التشريعية لا مع الحكومات حتى لو تدخلت لتشديد العقوبات في قوانينها الخاصة بحرية التعبير والنشر ولا مع القضاء بطبيعة الحال..

الملاحظة الأخرى هي أن نقابة الصحفيين باعتبارها الجهة المعنية بحماية الصحفيين من كل المؤثرات القانونية وغير القانونية على الحرية الصحفية لم تحرك ساكنا للتصدي للمسودات القانونية قبل وصولها إلى مجلس النواب، فبدلا من أن تصر النقابة على تحقيق مكاسب جوهرية على صعيد الحريات بموجب تعديلات واضحة على القانون المعمول به، اكتفت بالمحاولة في إطار لقاءات ودية.

من ناحية ثانية فقد ساهم نهج النقابة بالحياد السلبي في قضايا المطبوعات على تشجيع الجهات المعنية بالمحاسبة كافة للتضييق على الصحفيين والمضي قدما في تضخيم العقوبات عليهم، وهذا الأمر لا دخل للقضاء بحد ذاته به فالمحكمة أولا وتاليا نص قانوني. لقد كان من الضروري تدخل النقابة والصحفيين أنفسهم قبل إقرار هذه القوانين بدلا من التباكي اليوم والمطالبة بتخفيف العقوبات أو التذمر للحكومة الحالية وهي براء من دم الحرية الصحفية،أما البيانات التي تصدر هذه الأيام فلا قيمة لها من الناحية العملية لان القانون واضح ولا يترك ثغرة للتدخل لمصلحة الصحفيين ،والرهان الحقيقي سيظل على مجلس النقابة القادم الذي نأمل أن يضم زملاء يتحلون بالمسؤولية والشجاعة ،المسؤولية تجاه الوطن ومصالحه والشجاعة في إخراج مهنة الصحافة من قائمة المهن غير المرغوبة لدرجة التسابق في مكافحتها.