وحيد عبد المجيد
في مثل هذه الأيام قبل 5 سنوات، كانت منطقة الشرق الأوسط في انتظار انتهاء الحرب الأميركية التي بدأت في 20 مارس. لم يخف صانعو قرار الحرب، وبالأخص ldquo;المحافظين الجددrdquo; في إدارة بوش الأولى حينئذ، أن الهدف أبعد من العراق الذي اعتبروه بداية لتغيير المنطقة أو إعادة بنائها في إطار مشروع كبير للشرق الأوسط.
واليوم، بعد خمس سنوات، تستحيل المقارنة بين أهداف تلك الحرب والنتائج التي ترتبت عليها.
فلم يدر في خلد أحد أن تفشل الحرب في إنجاز أي من أهدافها الإستراتيجية في المنطقة، كما في العراق، وأن تكون نتائجها معاكسة تماما لما استهدفته.
نمر من ورق
كان إسقاط نظام صدام حسين هو أسهل تلك الأهداف وأصغرها مثله مثل أي ldquo;نمر من ورقrdquo;.
كان هذا النظام متهاوياً على نحو أتاح الخلاص منه في زمن قياسي وباستخدام عدد محدود من القوات على الأرض. وسجل وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد معدلا قياسيا أيضا في هذا المجال، بالرغم من التعثر الذي واجهه خلال الأسبوع الأول.
غير أن ما بدا استهلالا قويا لمشروع أميركي كبير يعيد صوغ الشرق الأوسط وفق مقاييسه لم يلبث أن تحول تدريجيا في الاتجاه المعاكس.
ومثلما بدا الانجاز العسكري قياسيا في سرعته، كان الإخفاق الاستراتيجي أيضا. فقد توالت، بسرعة مدهشة، الأخطاء الأميركية الكبري بدءا بإعلان الاحتلال بدلا من مساعدة الشعب العراقي على التحرر من آثار ldquo;الاحتلالrdquo; المحلي الصَّدامي، ومروراً بحل الجيش النظامي بدلا من الاعتماد عليه في ضبط الأمن الداخلي، ووصولا إلى تفكيك مؤسسات وأجهزة الدولة العراقية بكاملها.
كان الأميركي المنتصر عسكريا أمام اتجاهين هما الاكتفاء بإسقاط النظام والمضي قدما في تفكيك الدولة. فاختار الاتجاه الذي حول النصر العسكري إلى هزيمة إستراتيجية، وحول حلم العراق الجديد الحر الديمقراطي إلى كابوس راح ضحيته حتى الآن عشرات آلف القتلى ومئات آلاف الجرحى وملايين المشردين والمهاجرين.
فأين ذلك مما كان عليه الأمر عندما أعلن الرئيس بوش في الأول من مايو 2003 أن ldquo;المهمة أنجزتrdquo; والعمليات العسكرية الرئيسية انتهت، وحين كان مصممو هذا المشروع يظنون أن الأمر قد استتب لهم في المنطقة عموما وليس في العراق وحده.
غير أن أخطاءهم الفادحة في العراق جعلته نموذجا للفوضى والاضطراب وانعدام الأمن، وليس نموذجا للديمقراطية والازدهار، عندما أعيد رسم بغداد وكثير من المدن بواسطة الميلشيات الطائفية والحزبية وفرق الموت وجماعات الإرهاب وقاطعي الرؤوس.
فرصة تاريخية
وأتاح هذا الانهيار فرصة تاريخية لإيران لكي تشارك أميركا في احتلال العراق، ولكن بأجهزتها الاستخبارية ومجموعات الحرس الثوري، وليس بقواتها المسلحة التقليدية. ولم تمض ثلاث سنوات حتى كان النفوذ الإيراني قد بزَّ الاحتلال الأميركي في قدرته على الإمساك بتلابيب البلد العربي الذي كان حاجزاً أمام هذا النفوذ، فصار معبرا له إلى المنطقة.
وفي الذكرى الخامسة للحرب في هذه الأيام، يبدو كما لو أن الولايات المتحدة شنتها لمساعدة طهران على أن تتطلع إلى موقع الدولة الإقليمية الأكبر في غياب مشروع عربي يملأ الفراغ الذي يتمدد فيه النفوذ الإيراني ليغطي المنطقة الممتدة من الخليج العربي إلى شرق المتوسط، معتمدا على ثلاث ركائز رئيسية في العراق ولبنان وفلسطين، ومحاولاً استثمار التجمعات الشيعية في بعض بلاد هذه المنطقة، ولكن ليس بطريقة تصدير الثورة التي عفا عليها الزمن.
وبالرغم من فداحة النتائج على هذا النحو بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وللمنطقة في آن معاً، فقد أبدت إدارة بوش عجزا مدهشا عن تصحيح أي من الأخطاء التي ارتكبتها.
ولا يبدو أن في جعبتها وهي في شهورها الأخيرة ما يتجاوز الرهان على تحسن نسبي في الوضع الأمني وتوريث التركة الثقيلة إلى الإدارة الجديدة. فبات تحقيق الأمن بأية وسيلة هو الهدف الوحيد فعلياً، على الرغم مما يحفل به خطاب هذه الإدارة من تهويمات أُعيد إنتاجها في خطاب الرئيس بوش يوم الخميس الماضي في مناسبة الذكرى الخامسة للحرب، وفي كلمات ألقاها وتصريحات أدلى بها نائبه ديك تشيني خلال جولته في المنطقة التي بدأها من العراق الأسبوع الماضي.
الرسالة laquo;العبقريةraquo;
وبالرغم من أن أميركيين كثرا، من أهل السياسة والإعلام وفي بيوت الفكر think tank استخلصوا دروساً لا بأس بها من الحرب على العراق حتى قبل ذكراها الخامسة، بدا بوش وتشيني وكأنهما مصران على عدم الإقرار بأي خطأ فيما مضى، وعدم الاعتراف بما هو قائم الآن على صعيد انتزاع المحور الراديكالي الإيراني السوري زمام المبادرة بعد أن تغذى، ولايزال، على هذه الأخطاء التي تتوالى.
لم يفهم أحد طبيعة الرسالة ldquo;العبقريةrdquo; التي قال الأميركيون إنهم يوجهونها إلى سورية عبر تمركز المدمرة كول أمام السواحل اللبنانية. ولكن ما رآه الجميع هو أن سورية وأنصارها في لبنان استغلوا وجود هذه المدمرة لقلب الطاولة لمصلحتهم عشية قمة دمشق.
وساعدهم في ذلك السقف الجديد الذي بلغه إرهاب الدولة الإسرائيلية في الاعتداء الوحشي الأخير على قطاع غزة، فبدا كما لو أن أميركا وإسرائيل تتنافسان في إرسال هدايا ثمينة إلى المحور الراديكالي، الذي ما كان له أن يشن سياساته الهجومية الراهنة ويضع المعتدلين العرب في مواقع الدفاع إلا اعتمادا على أخطاء أميركية لا يبدو أن لها نهاية على الأقل حتى يغادر الرئيس بوش البيت الأبيض في يناير المقبل.
وهكذا يبدو المشهد الإقليمي، بعد 5 سنوات على الحرب الأميركية على العراق، مناقضاً لما استهدفته تلك الحرب. فقد انتعشت الراديكالية، التي كان إضعافها ومحاصرتها وتهميشها أحد أهم أهداف تلك الحرب. وما يحدث الآن، في إطار التحضير لقمة دمشق، هو دليل جديد على ذلك.
ودُفن العراق، ولو إلى حين، فيما كان أحد أكبر أهداف الحرب إخراجه من سجن صدام حسين وإنقاذ أبنائه من المقابر الجماعية.
كل هذا التدهور
وقد لا يتيسر التطلع إلى تغيير في السياسة الأميركية التي أنتجت كل هذا التدهور في الشرق الأوسط قبل الذكرى السابعة للحرب، أي في مارس 2009. وقتها ستكون الإدارة الجديدة في بداية عامها الثاني في السلطة. ولكن فضلا عن أن حدة الاحتقان في المنطقة لا تتحمل ترف الانتظار لعامين، فالرهان على أن تصلح إدارة جديدة ما أفسدته الإدارة الحالية وسابقتها هو ليس أكثر من مغامرة غير مضمونة.
ولذلك ليتنا نستطيع الرهان على مشروع عربي لمستقبل المنطقة يسعى إلى إصلاح ما أفسده الأميركيون، والعرب أيضا معتدلين كانوا أو راديكاليين، وغيرهم، قبل أن تنهار المنطقة على رؤوس شعوبها.
التعليقات