مازن حماد

مع دخول الحرب على العراق عامها السادس أصبح المشهد أشد تعقيدا والسياسة الاميركية اكثر ارتباكا، فيما سيطر الغموض على مستقبل عراقي مفتوح أمام شتى المخاطر والاحتمالات الصعبة.

الرئيس جورج بوش، من جانبه، فشل في رسم استراتيجية للخروج من العراق أو حتى في الالتزام بأي تخفيض في القوات الأميركية هناك، تاركا القرارات المصيرية للرئيس الذي سيجلس مكانه في المكتب البيضاوي في شهر يناير القادم، وقد اعترف في آخر تقييماته بأن القوات الأميركية كانت على شفير الهزيمة، لولا قراره رفع عدد تلك القوات بمقدار ثلاثين ألفا العام الماضي، رافضا في الوقت ذاته تقييده بموعد محدد للتراجع عن هذه الزيادة التي رفعت العدد الإجمالي لقوات بلاده في العراق الى مائة وستين ألفاً.

لكن الرئيس الأميركي لم يترك مجالا للشك بأنه ضد الانسحاب من العراق ومع استمرار الحرب بطريقة أو بأخرى، لأن الاخفاق معناه، كما قال، انتصار القاعدة التي ستستخدم العراق كملاذ آمن لشن هجمات على الولايات المتحدة، ولأن الاخفاق معناه مسارعة القاعدة وإيران إلى ملء الفراغ.

هكذا يرى بوش الصورة، أو هكذا يريدها على الأقل أن تبدو للأميركيين، غير أن رؤيته هذه تتنافر بشدة مع رؤية وزير دفاعه روبرت غيتس فيما يتعلق بجانب مهم وخطير من جوانب الصراع الداخلي على السلطة بين مراكز القوى العراقية، وهو التنافر الذي يروي قصة ارتباك كبير في نظرة الولايات المتحدة إلى ذلك الصراع.

ففي الوقت الذي بارك فيه جورج بوش حملة رئيس الوزراء نوري المالكي العسكرية ضد جيش المهدي في جنوب العراق التي بدأت الشهر الماضي وانتهت إلى فشل ذريع وسريع، دعا غيتس قبل ساعات فقط الى ضرورة ضم مقتدى الصدر قائد جيش المهدي إلى العملية السياسية العراقية بصورة فعالة، رغم أن الصدر من دعاة الانسحاب الأميركي من العراق وفقاً لجدول زمني معلن.

وقد جاء اغتيال كبير ممثلي مقتدى الصدر في النجف رياض النوري ليقضي على هدوء نسبي بين ميليشيات جيش المهدي وقوات الحكومة العراقية المدعومة بالمروحيات الأميركية. وعلى الرغم من تنديد مكتب المالكي باغتيال النوري الذي تزوج شقيق الصدر من شقيقته، فإن معركة النجف الحالية تدخل في اطار صراع إرادات بين ميليشيا الصدر والحكومة.

ومن علامات الارتباك الجديد الذي أصاب السياسة الأميركية في العراق قول غيتس إن الولايات المتحدة لا تنوي الاحتفاظ بقواعد دائمة في الأراضي العراقية، وهو تصريح يتناقض مع إعلانات أميركية متكررة عبر السنوات الماضية حول نية واشنطن، بعد الانسحاب، أن تبقي لها بضع قواعد في العراق، على غرار القواعد التي تقيمها في ألمانيا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

ولا تكون الولايات المتحدة في مواقفها الأخيرة هذه قد ورّثت خليفة جورج بوش مسؤولية اتخاذ القرارات بشأن مستقبل العلاقة الأميركية- العراقية فحسب، بل تكون قد كشفت في تصريحات روبرت غيتس عن رغبة مفضوحة بالفرار من العراق دون الحرص على بناء علاقة عسكرية دائمة معه من خلال إنشاء أربع أو خمس قواعد تخدم أهدافاً سياسية كبرى تتمثل في ضمان استيراد النفط العراقي في وقت تزداد فيه الحاجة إليه، مع نضوب بعض الاحتياطيات البترولية العالمية والارتفاع الصاعق في أسعار الوقود وكافة أشكال الطاقة.

وتكون واشنطن في عام بوش الأخير قد وضعت الإدارة القادمة أمام خيارين كلاهما مر: الانسحاب واحتساب ذلك هزيمة، أو البقاء دون القدرة على ضمان النصر.