محمد برهومة

لم يسبق للضغط السياسي الذي يبديه الأميركيون على دول عربية، وخاصة في منطقة الخليج، باتجاه الانفتاح السياسي والاقتصادي على العراق، أنْ كان قويا مثلما هو هذه الأيام، ومن المرجح أن يستمر في الفترة المقبلة. وسيكون الاجتماع الذي ستعقده وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى الأردن ومصر، في العاصمة البحرينية المنامة في الحادي والعشرين من الشهر الحالي، تنتقل بعدها في اليوم التالي إلى الكويت لحضور اجتماع دول جيران العراق، الذي يبحث علاقات دول جوار العراق مع بغداد... سيكون هذان الاجتماعان مناسبة مهمة، على الأرجح، لفتح ملف المشاركة العربية دبلوماسيا واقتصاديا في العراق الجديد. هذان الاجتماعان يتوازيان مع تحركات أميركية، اشتدت في الفترة الأخيرة باتجاه السعي لضبط الملف الأمني في العراق. وقد أرسلت واشنطن رسائل ووفودا إلى عدد من الدول العربية بخصوص مطالبتها وطلب المساعدة منها بشأن وقف تدفق المقاتلين الأجانب إلى العراق، والمساعدة في وقف شبكات المقاتلين ومحاصرتها في الدول التي تنشط فيها.

ويبدو واضحا أن إصرار حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، على نزع أسلحة ميليشيا quot;جيش المهديquot; يحظى بما بشبه الإجماع بين الفاعلين الأساسيين في السياسة العراقية، سواء على المستوى الأميركي أم على المستوى الداخلي العراقي. فالرسالة بأن الإبقاء على quot;جيش المهديquot; من قبل التيار الصدري، سيكون حائلا دون مشاركته في العملية السياسية والمشاركة في الانتخابات المقبلة، ليست رسالة تكتيكية من قبل المالكي والجهات التي تشاطره موقفه.

ويبدو أن واشنطن بالاتفاق مع العراقيين تستهدف في المرحلة المقبلة تفعيل ملف المصالحة العراقية، وتحسين الملف الأمني، بما يسمح بدفع العملية السياسية في العراق باتجاه مزيد من الانفتاح على دول الجوار العربية، وإقناعها بقبول الفيدرالية في العراق، والتوجه نحو إقناع الدول العربية، خاصة دول الخليج، بـquot;الانخراط دبلوماسيا واقتصاديا في العراق، والعمل على مسائل التنميةquot; في هذا البلد، كما قال السفير الأميركي في العراق، ريان كروكر، وذلك عبر إعادة فتح سفاراتها والإسهام في إعادة الإعمار، وربما ضخ مزيد من الاستثمارات الخليجية في العراق، دون قصر ذلك على مناطق كردستان الهادئة.

وتعاني إدارة بوش، معارضة قوية من الحزب الديمقراطي بشأن الإنفاق على العمليات في العراق وتمويلها، لا سيما مع تراجع حدة العنف هناك، وربما يدفع هذا باتجاه البحث عن مصادر تمويل أخرى، وقد قالت رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، في هذا الصدد قبل أيام، إن على العراق أن يموّل هذه العمليات من أمواله، وربما تقوم دول الخليج عبر الإسهام الفاعل في إعادة الإعمار، أو التخلي عن ديونها (أو بعضها على الأقل) المستحقة على العراق، في توفير مصادر مالية، تسهم في النهاية في تحقيق مزيد من الاستقرار السياسي، والنمو الاقتصادي.

واضح ان الضغط الأميركي يتصاعد باتجاه دفع العرب إلى بذل مزيد من الجهود في العراق، كما صرّح كروكر الجمعة. كما من الواضح أن الدعم الذي يحوزه المالكي، من جميع الأطراف الفاعلة في العراق، غير مسبوق لأي من الزعماء العراقيين منذ خمس سنوات.

والحقيقة أن هوية الحكومة العراقية بقيادة المالكي، مثار جدل بين عدد كبير من السياسيين والمحللين، فأحداث البصرة، إذا أُخذت مدخلا في التحليل، يمكن النظر إليها على أنها قدّمت المالكي كرجل دولة يريد فرض الأمن وبسط سيطرة الحكومة المركزية، وأنه (المالكي) فوق الاعتبارات الطائفية، في حين رأى البعض في تلك الأحداث صراعا شيعيا- شيعيا على النفوذ، وصراعا على انتخابات مجالس المحافظات في أيلول (سبتمبر) المقبل والانتخابات البرلمانية العام المقبل، ورأى آخرون أن حصول التهدئة عبر وساطة إيرانية يؤكد نفوذ إيران في الملف الأمني في العراق. وعلى حين يرى رئيس الوزراء العراقي أن أحداث البصرة كانت ناجحة بالنسبة إلى الحكومة العراقية، ونجمت عنها سيطرة كاملة للقوات العراقية على الموانئ، خاصة ميناء أم قصر، منفذ العراق النفطي الوحيد إلى الخليج، يرى تحليل مقابل أنها كشفت أن لدى الميليشيات أسلحة متطورة وحديثة وربما تفوق درجة تسليح القوات الحكومية، وأن الضباط والجنود الذين سلّموا اسلحتهم لجيش المهدي، واستنكفوا عن قتاله، وزاد عددهم في بعض التقديرات على ألف عنصر، إضافة إلى الاستعانة الضرورية بالقوات الأميركية والبريطانية.. كلها عناصر تكشف عن مظاهر قصور لدى قوات الأمن العراقية. هذا الجدل حول هوية الحكومة العراقية، وما خص الملف الأمني هاجسان يثيران الكثير من الأسئلة لدى الجانب العربي، بما فيه الجانب الخليجي، الذي ما يزال يبحث عن إجابات مقنعة، تسهم في رسم تضاريس quot;إعادة الانخراط العربي دبلوماسيا واقتصادياquot; في العراق، بما يعجّل في استتباب الأمن والاستقرار هناك، ووقف دوامة العنف ومعاناة المواطنين العراقيين، الذين يستحقون الحياة الكريمة الهانئة، والعيش بسلام.