علي الموعي

الهجوم البرّي الذي بدأته القوات الإسرائيلية على قطاع غزة يوم السبت يعرّض القادة الإسرائيليين لمجازفة تكرار تجربتهم المدمّرة أثناء الحرب على لبنان العام 2006، التي تكبّدوا فيها خسائر فادحة خلال الاشتباكات مع حزب الله، ومن شأن ذلك أن يعرّضهم لسقوط سياسي في الانتخابات التي ستجرى في غضون أقلّ من شهرين.

بالنسبة لحركة حماس، أوقعت الهجمات الإسرائيلية خسائر فادحة في الأرواح والمنشآت، ولم يقتصر الدمار على مباني قوات الأمن والشرطة، وإنما تعدّاها إلى المنازل والمساجد وإحدى الجامعات. غير أن هدف حماس ليس إحراز نصر عسكري بالضرورة، كما يقول محللون، وإنما تحقيق انتصار نفسي بالطريقة التي أكّد فيها حزب الله شرعيته داخل لبنان، وعلى صعيد العالم العربي في أعقاب حرب العام 2006.

يعتقد كثيرون أن الغزو البرّي قد يوفّر لحركة حماس، وهي الأكثر دراية بأراضي القطاع، فرصة التفوّق على القوات الإسرائيلية. وكان المسؤول السياسي البارز في حماس، خالد مشعل، حذّر الإسرائيليين، في مقابلة تلفزيونية من منفاه في دمشق الجمعة، من أنّ مصيراً مُظلماً ينتظرهم إذا دخلوا أراضي غزة.

وكانت إسرائيل عملت طوال الأعوام الأربعة الماضية على وقف تنفيذ الفلسطينيين تكتيكات قصيرة المدى، وعمليات انتحارية وهجمات على طريقة حرب العصابات. وقد اعتمد الفلسطينيون على هذا النوع من العمليات أثناء الانتفاضة الثانية مطلع العقد الحالي، حيث ثبتت فعاليتها في قتل الإسرائيليين.

لكن تنفيذ مثل هذه العمليات أصبح بالغ الصعوبة اليوم، حيث أقام الإسرائيليون أسواراً من الأسلاك الشائكة وجدراناً حول قطاع غزة ومعظم أنحاء الضفة الغربية، وخصوصاً بعد أن كثرت نقاط التفتيش في القطاع إلى درجة منع معظم سكانه -وعددهم 1.5 مليون نسمة- من مغادرته. وعندما سحب الإسرائيليون قواتهم من غزة العام 2005، ركزت حماس وحلفاؤها على استخدام الصواريخ، ومعظمها من صنع محلي، لضرب إسرائيل.

في الوقت نفسه، زادت إسرائيل من قدراتها الجوية بإدخالها طائرات مسلحة من دون طيار، وقنابل وصواريخ موجّهة بالغة الدقة، في الخدمة.

نتجت عن ذلك زيادة كبيرة في حجم الخسائر البشرية مع انتقال المعارك من الأرض إلى الجوّ. فقد زاد عدد الفلسطينيين الذين قتلوا أثناء الانتفاضة الثانية العام 2002 عن 1000 مقابل 400 إسرائيلي لا غير. وزاد عدد الفلسطينيين الذين قتلوا خلال الأيام الثمانية الأخيرة على 460، بينما لقي 4 إسرائيليين مصرعهم بنيران الصواريخ، ولم تتكبّد إسرائيل أية خسائر عسكرية أثناء الهجمات الجوية.

مثل هذه الإحصاءات لا تُقابل كلها بالارتياح من جانب الإسرائيليين، ومنهم يواف آميت، المدير الإداري في مدرسة، أحدثَ صاروخ فلسطيني ثقباً في جدار أحد صفوفها، في بئر السبع، إذ يقول إنه لا يمكن الاعتماد على الضربات الجوية فقط، ولا بديل عن إرسال قوات برية إلى غزة.

لكن آميت، الضابط السابق في سلاح الجو الإسرائيلي أثناء حرب 1973، لا يخفي قلقه من أن تسفر الهجمات البرية في غزة عن صورة مكررة لما جرى سابقاً في لبنان.

أصداء الحرب مع حزب الله

في صيف العام 2006، كان هدف الجيش الإسرائيلي، الذي اشتبك معه مقاتلو حزب الله على مدى 33 يوماً، وضع نهاية لإطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل واستعادة جنديَين كان عناصر حزب الله قد خطفوهما أثناء عملية عبر الحدود. وبعد غارات جوية استمرت أسبوعين، أطلق حزب الله خلالهما آلاف الصواريخ على إسرائيل، كانت حصيلة القتلى من الجنود الإسرائيليين 120 والمدنيين 40 مقابل 1100 من اللبنانيين. واعتبر العالم الإسلامي حزبَ الله يومها منتصراً.

واليوم، يسيطر حزب الله جزئياً على الحكومة في لبنان، بينما كانت نتائج تلك الحرب سلبية على إسرائيل، التي اضطر وزير دفاعها ورئيس أركان الجيش إلى الاستقالة، وكاد رئيس الوزراء إيهود أولمرت يلحق بهما. ويتولى مراقبون دوليون المحافظة على السلام في جنوب لبنان، فيما يسود اعتقادٌ بأن ميليشيات الحزب أعادت بناء قوتها الصاروخية الضاربة.

ويستعيد البريغادير جنرال المتقاعد شلومو بروم نتائج دخول الجيش الإسرائيلي إلى لبنان يومها ويقول إنه ليست لدى إسرائيل مثل تلك الأوهام اليوم ولا نية لديها لاحتلال غزة، لكن لا بدّ من الاحتفاظ بزخم الضربات الجوية من جانب القوات البرية.

ويهدف الإسرائيليون من اقتحام قطاع غزة إلى تحقيق انتصار نفسي على حماس، وحمل الحركة على وقف إطلاق الصواريخ، بعد أن استنفدت الطائرات الحربية قصف الأهداف الرئيسية. ويقول رئيس أركان سلاح الجوّ السابق، الجنرال عيتان بن إيلياهو، إن الغرض من الهجوم البري هو تحقيق ثلاثة أهداف: أولها القضاء على مواقع إطلاق الصواريخ، والثاني قتل أكبر عدد ممكن من عناصر حماس، والثالث تشديد الضغط على قيادييها الذين سيشاركون في المفاوضات الدبلوماسية.

ويرى عضو البرلمان الإسرائيلي والجنرال المتقاعد اسحق بن إسرائيل أن التفوق التكنولوجي على حماس في الحرب من الجوّ واضح، لكن الفارق ليس كبيراً بهذه الصورة على الأرض.

ويقول بعض المحللين إن الهجوم البري لم يكن ضرورياً لضرب القدرات العسكرية لحماس بعد أن تمّ تدمير أنفاق تهريب السلاح ومكاتب قادة التنظيم واغتيال أبرزهم.

المكاسب السياسية لحماس

على مدى الأعوام الثمانية الأخيرة، تمكنت حماس من تطوير نوعية ترسانتها من الصواريخ، وبلغ عدد ما أطلقته وحلفاؤها -ومنهم تنظيم الجهاد الإسلامي- على إسرائيل 7000 صاروخ منذ انسحاب قواتها من غزة العام 2005. ومع أن معظم تلك الصواريخ لم يُحدث أثراً يُذكر، فقد لقي 13 مدنياً إسرائيلياً مصرعهم بفعل صواريخ القسّام.

غير أن الصواريخ التي أطلقها التنظيم خلال الأيام الثمانية الأخيرة كانت أبعد مدىً من سابقتها، على غرار صواريخ كاتيوشا التي استخدمها حزب الله العام 2006. ويُجمع المسؤولون الإسرائيليون على أنه جرى تهريبها من إيران عن طريق البحر أو عبر أنفاق على الحدود المصرية خلال فترة التهدئة التي انتهت منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

ويقول نبيل كوكالي، مدير المركز الفلسطيني للرأي العام، ومقره في القدس، إن إمكانات حماس محدودة وإنها ليست حزب الله ولا تملك الوسائل لمحاربة إسرائيل. وبالرغم من ذلك، ثمة فائدة سياسية من استمرار حماس في إطلاق الصواريخ، حتى في حال عدم مجاراتها للتكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية.

ولأن منظمة فتح، الخصم السياسي الرئيسي لحماس، باقية على التزامها بالتفاوض مع إسرائيل وليس محاربتها، تظلّ لحماس اليد العليا على المقاومة المسلحة الفلسطينية، وهو ما يزيد من شعبيتها بين الفلسطينيين وفي العالم العربي.

ويشير المفاوض الفلسطيني السابق زياد أبو زَيّاد إلى أنه في العام 2006، كانت إسرائيل غير قادرة على مواجهة صواريخ حزب الله وأن حركة حماس قد تعلمت بدورها من تجربة الحزب. ويضيف أبو زَيّاد أن سمعة حماس قد تتسع إلى حدّ كبير إن هي استطاعت استدراج إسرائيل إلى حرب برية وتكبيدها خسائر جسيمة. فإسرائيل -كما يقول- laquo;ربما تعرف كيف تدخل إلى غزة، لكنني غير متأكد من أنها ستعرف كيف تخرج منهاraquo;.

عن laquo;واشنطن بوستraquo;