بيروت - منى سكرية

اكد وزير الصحة اللبناني محمد جواد خليفة انه من المستحيل عقد قمة عربية في ظل هذا الانقسام العربي والاعلامي والفلسطيني والتحالفات القائمة. ورد الحرب التي تشنها اسرائيل على غزة الى ان الدولة العبرية تريد الذهاب الى المفاوضات من دون وجود حركة laquo;حماسraquo;. واشار الى ان الانقسام الفلسطيني والعربي هو الذي شجعها على هذا العدوان. واستبعد حصول اي تسوية، معتبراً ان الوضع معقد جداً، واصفاً ما يجري في غزة ايضاً بأنه انعكاس لصراع على رئاسة الحكومة الاسرائيلية الجديدة بين رئيس الحكومة الحالية ايهود اولمرت ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني ووزير الدفاع إيهود باراك.

وإذ طرح خليفة laquo;علامات استفهام كبيرةraquo; حول موقف الرئيس الاميركي المنتخب باراك أوباما، أكد laquo;ان كل شيء يتغير في اميركا ما عدا السياسة الداعمة لاسرائيل في الشرق الاوسطraquo;.

في هذا الحوار مع laquo;أوانraquo; تطرق الوزير خليفة إلى عدد من القضايا الآنية والمنظورة والمستقبلية في ضؤ الحرب التي تشنها اسرائيل على غزة:

{ الى اين برأيك تتجه الامور على الساحة الشرق اوسطية: هل ناحية التصعيد وتفجر الاوضاع العسكرية والامنية، ام ناحية ايجاد تسويات وحلول؟

-لا شك في ان الاجواء التي سبقت ما يجري الآن في غزة تشير الى اتجاه نحو ايجاد تسويات، إذ كان هناك كلام عن المفاوضات غير المباشرة بين سورية واسرائيل برعاية تركية، والتي كان الطرفان قد اعلنا أنها ستصير مباشرة عندما يصبح المجتمع الدولي جاهزاً، الى التغير السياسي الاميركي ظاهرياً على الاقل، الى التهدئة في العراق، الى التسوية في لبنان بعد اتفاق الدوحة. لكن الامور عادت الى التعقيد امام ما يجري في غزة. لا شك في أن أي تسوية ستحصل بين الاطراف المعنيين لا بد أنهم سيعملون على laquo;تطويعraquo; أفرقاء اساسيين سيكون لهم مكان فيها، وهذا ما يحصل في غزة اليوم. فالاسرائيلي يعتقد ان الافضل له ان يذهب الى المفاوضات من دون وجود لحركة laquo;حماسraquo; كمقاومة قوية. هناك كلام وسير في اتجاه تسويات نظريا، لكن الامور اكثر تعقيدا.

{ هل ان ما يجري في غزة هو من باب نزع عقبات من امام التسويات التي اشرت اليها؟

-لدى اسرائيل اكثر من هدف في اعتداءاتها على غزة. ان الانقسام الفلسطيني شجّع اسرائيل على الاندفاع اكثر في الهجوم على غزة، وهو شبيه بما فعلته في اعتدائها على لبنان العام 2006 لما رأته من انقسام سياسي. ولكن اذا أضعفت اسرائيل غزة واستبعدت المقاومة فيها يصبح في امكانها فرض الشروط حتى على السلطة الفلسطينية في الضفة، لأن laquo;حماسraquo; هي عنصر قوة للشعب الفلسطيني. هناك ايضاً موضوع الصراعات الداخلية في اسرائيل على مشارف الانتخابات حيث تتوزع الصراعات بين ثلاثة قوى يطمح كل منها الى رئاسة الحكومة، ولا يحصل ذلك عادة في اسرائيل إلاّ على وقع الحروب والاعتداءات على الآخرين، وهذا ما يحصل حالياً حيث السباق بين ليفني وباراك وأولمرت. هناك ايضاً إحراج كبير حصل لمصر في مرحلة سياسية تعيشها أمام الشعب الفلسطيني، وفي ظل هذا الانقسام العربي.

{ ازاء هذه الصورة التي رسمت، هل ترى إمكانية لتنفيذ القرار 1860 الصادر قبل ايام عن مجلس الامن والذي يبدو انه لايزال قيد الدرس للتنفيذ لدى كافة الاطراف؟

ـ لن ينفذ شيء، عندما بدأت اسرائيل هذه المعركة بعمل عسكري ضد غزة فهي تريد ترجمة ذلك الى نتائج سياسية. أنا أرى ان اسرائيل التي عجزت في لبنان والتي كان طموحها القرار 1559، وبعد ذلك صدر القرار 1701 وهو مختلف تماماً، فلم يصدر إلاّ بعد 33 يوما فرضتها الوقائع الميدانية، على الرغم من اعطاء المجتمع الدولي اسرائيل يومها الوقت الكافي والجسر الجوي لنقل الاسلحة. أما الاخوة في غزة فإن وضعهم اصعب في ظل واقع جغرافي ضيق وحصار بدأ قبل سنتين. ما تطمح إليه اسرائيل هو وقف اطلاق النار ولكن مع وجود مراقبين دوليين لعزل حركة laquo;حماسraquo; عن ساحة الصراع.

{ لهذا السبب أشرت الى عدم امكانية تطبيق القرار؟

-أشك طبعاً بحصول وقف لاطلاق النار بالطريقة التي يحكى عنها.

{ ما الذي تنتظره المنطقة من ادارة الرئيس الاميركي المنتخب اوباما، وما الذي تركته له اسرائيل بعد هذه الجرائم التي ارتكبتها في غزة؟

-هناك علامة استفهام كبيرة ازاء الموقف الاميركي. تبدو الامور وكأن هناك اتجاهاً في اميركا لانهاء هذا الملف في الشرق الاوسط، وهنا اسرائيل دخلت مما يطلق عليه تسمية شبّاك الفراغ، بمعنى غض الطرف الاميركي عما يمكن لاسرائيل انهاؤه قبل مجيء الادارة الجديدة، ولكن علينا ان نلاحظ امراً مهما وهو ان الاشخاص المعنيين بملفات المنطقة قد بقوا في الادارة الاميركية المقبلة مثل وزير الدفاع غيتس، والمسؤولين عن ملفات التفاوض الخ... علينا ان نلحظ ان كل شيء يتغير في اميركا ما عدا السياسة الداعمة لاسرائيل في الشرق الاوسط.

{ ما المخاطر المحدقة بلبنان؟

-المخاطر المحدقة بلبنان والمنطقة هي في تمادي الاعتداءات الاسرائيلية، وخروجها عن المألوف، هذا ما نراه يحصل في غزة من مجازر. اسرائيل تعتمد في سلوكها على تغطية الازمة بأزمة جديدة، لذلك نراها ترتكب المجازر في غزة، فجأة تتركز الاهتمامات على الحدود اللبنانية بسبب الصواريخ المشبوهة، وهذا ما يثير القلق في لبنان، لربما اسرائيل أرادت القيام بعمل فوق العادة للخروج من مأزقها في غزة بالاعتداء على لبنان.

{ وفي هذا السياق يأتي تحذير رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من احتمال وجود اصابع اسرائيلية وراء الصواريخ في اسرائيل؟

- ما حصل هو انه بمجرد سقوط صواريخ على شمال اسرائيل اعطت لنفسها حق الرد من دون الرجوع الى تقرير القوات الدولية (اليونيفيل) وهذا يعتبر خرقاً للقرار 1701 . لنفترض ان تقرير القوات الدولية صدر وفيه مسؤولية على جماعة laquo;القاعدةraquo; بهذه الصواريخ، فهل يتحمل لبنان وزر هذه الجماعة، وهل إن اميركا استطاعت في العراق ان تقضي على laquo;القاعدةraquo;. من اسهل الامور على اسرائيل ان تخلق العذر لتقوم باعتداءات تجر فيها لبنان الى حروب.

{ ما تقييمك لدور laquo;اليونيفيلraquo;؟

- لقد كان دورها ممتاز جداً في حسمهم للامور من خلال اصدار تقرير يشير الى مجموعات صغيرة تعمل خارج فلك القوى على الارض. ما نخافه هو ان اسرائيل حتى اليوم لم تعترف بالقرار 1701 في اعتباره قراراً لوقف اطلاق النار وإنما قرار لوقف الاعمال الحربية.

{ لماذا كل هذا الصمت العربي وعدم عقد قمة عربية؟

-كلنا يعرف ان الخلافات العربية- العربية وصلت الى حد ان لبنان دفع أثمانها، وهذا ما كان الرئيس نبيه بري قد أشار اليه عندما تحدث عن الخلافات السورية - السعودية وغيرها. من شبه المستحيل عقد قمة بسبب هذا الانقسام العربي والاعلامي والتحالفات القائمة. وصلت الامور الى حد أن بعض العرب اقتنع من اميركا بأن الخطر النووي الايراني هو اكبر من القنابل النووية الاسرائيلية عليهم. ولكن لو ان الموقف العربي اكثر تقارباً ولو انه لا توجد اتفاقات منفردة مع اسرائيل ولا يوجد انقسام فلسطيني لربما لم تتجرأ على ممارسة اعتداءاتها. اسرائيل تستفيد من هذه الانقسامات الفلسطينة والعربية والمحاور في المنطقة.

{ لقد دعا رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري الحكومات العربية الى رفع دعاوى قضائية ضد جرائم اسرائيل التي ترتكبها في غزة، ولكن هل من أمل في ظل هذه الانقسامات؟

- ان تغاضي المجتمع الدولي على جرائم اسرائيل في قانا في جنوب لبنان وفي فلسطين شجّعها على التمادي في اعتداءاتها. هناك خطوط في المحافل الدولية تحمي اسرائيل، ولنتذكر مجزرة صبرا وشاتيلا التي لم تأخذها الى المحاكم.

{ ما laquo;الافكار الاوروبيةraquo; التي يقال ان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد حملها معه في جولته الاخيرة وشملت لبنان ايضا؟

- لا توجد افكار جديدة لأنه لا موقف عربياً موحداً لكي يبني الاوروبيون عليه. عندما كان الرئيس ساركوزي في المنطقة كان الجدل العربي- العربي قائماً وكذلك الفلسطيني - الفلسطيني وأيضا المجازر في حق الفلسطينيين.

{ في تصريحه البارحة قال الرئيس ساركوزي إن ما يحصل في غزة سيزيد الشرخ بين الشرق والغرب، متسائلاً هل نحن بعيدون الى هذا الحد عن الشرق المجاور؟

- أظن أن الرئيس ساركوزي في كلامه هذا إنما يقصد الموقف التركي وليس العربي. لا أحد يهتم للموقف العربي. التظاهرة المليونية التي حصلت في اسطنبول حصلت على الارض الاوروبية، والمواقف التركية المشرفة من الحكومة والشعب أحدثت انقساماً لأنها حصلت على ارض اوروبية وهذا ما يلتفت اليه ساركوزي وسواه.

{ وماذا عن الوفد الرئاسي البرلماني الاسيوي الذي ضم سورية وايران واندونيسيا حيث التقى الرؤساء اللبنانيون؟ ماذا كان لديهم؟

- لقد سعى الرئيس نبيه بري الى فتح جدار لاجتماعات القادة العرب، وقد نجح في تأمين اجتماع اتحاد البرلمانيين العرب في مدينة صور اللبنانية بعد العدوان على غزة. واستمر في طرق ابواب الاتحادات البرلمانية الاسلامية، ثم تدرج الى الحكومات العربية في ظل عدم انعقاد قمة عربية. إنه يمارس ما يقدر عليه من ضمن مهماته.

{ لبنان من الدول التي سارعت الى اتخاذ اجراءات عملية لدعم اهالي غزة وقد رافقت بصفتك وزيراً للصحة الطائرة اللبنانية التي أقلت المساعدات اليهم عبر الاردن. ولكن هل من متابعة بعد اعلان وكالة غوث اللاجئين (الاونروا) وقف اعمالها في غزة؟

- لقد تأزم الوضع كثيراً الآن. لقد تم تبني قرار المساعدات للاخوة في غزة في مجلس الوزراء اللبناني من ضمن الامكانيات التي تملكها الدولة وكان ذلك عبر الحكومة التي تمثل الشعب اللبناني، وهذا ما منع كثيراً من التظاهرات ضد الدولة اللبنانية. لقد قررنا ان تكون المساعدات في الاطار الطبي وقد اعتمدنا حينها على laquo;الاونرواraquo; والصليب الاحمر الدولي والجمعية الهاشمية، لكن الامر الآن بات اصعب، والمؤسسات الدولية تهدد بالانسحاب من غزة، واليوم تبلغت بالدعوة الى اجتماع لوزراء الصحة العرب سيعقد يوم الثلاثاء المقبل في الرياض، بهدف تشكيل نواة لجنة وزارية عربية لمتابعة الوضع في كيفية مساعدة اهالي غزة.

{ وهل يمكن لهكذا اجتماع ان يشكل تقاربا عربيا من الباب الانساني لتعذر اللقاءات على المستوى الرئاسي؟

-من الممكن ان يكون المدخل الانساني سبباً لتوحيد مواقف العرب. الاوضاع الصحية والاجتماعية في غزة لا يمكن ان تترك للمؤسسات الدولية إذا ما قررت الانسحاب. في غزة لا يوجد الا مستشفى واحد يعمل وطاقم طبي بات منهكاً.