يوسف الكويليت
حركات التحرر الوطني في دولة صغيرة أو كبيرة، تتلاقى على أهداف واحدة تزول فيها جميع الفوارق أمام حرب عدوانية، أو احتلال، أو أي اعتداء آخر، وكل بلد يحتفل بهذه المناسبات لأنها تتويج لإرادة أمة أو شعب نجح في نضاله..
فالهند والصين في كفاحهما، وهما أكبر تجمع سكاني، وتعدد أثني وقومي، صاغتا مشروعهما وفق إرادة واحدة، ودون خلافات تخلّ بتوازن العمل الوطني، والمثل الآخر الجزائر التي ضربت أروع البطولات، ولم تبرز في ساحتها أي خلافات، رغم وجود أصحاب المصالح كطابور خامس من بعض الجزائريين المؤيدين لفرنسا، لكن ضغط الشعور العام الوطني، ألغى أي قدرة للتأثير لذاك الفصيل أو غيره، كذلك فيتنام وغيرها ممن استقلت بقرارها..
الفصائل الفلسطينية، ورغم صدامها مع أشرس استعمار استيطاني صهيوني، إلا أن القضية أُهملت لصالح التشرذم بين قوى عربية وإقليمية، فاحتار من يناصرهم أين يقف، من الإخوة الأعداء، أو الفرقاء، مما أضعف جبهات التأييد عربياً وإسلامياً ودولياً، لأن حسم هذه الأمور يخص أصحاب القرار والقضية، ومع ذلك استمر الخلاف بين منظمة التحرير وحماس، ولا ندري ما الرابط الذي يمكنه أن يعيد للطرفين تلاحمهما، والذي ظل المستفيد الأول منه إسرائيل، ومن يتلاعبون في المنطقة بإعطاء الوعود ضمن تحليل دقيق كشف عن العجز الفلسطيني والعربي، والأسباب أن المساعي التي بُذلت ضاعت في المسافات المفتوحة بين الطرفين..
كثيرة هي التحليلات والتوصيفات التي تقال عن أزمة الفريقين، وهي واضحة لهما ولمن يراقب الموقف، وقد حاولت عواصم عربية أن تشهد توقيع مصالحة يجمعهما، أو تحييد الخلاف في سبيل ما هو أجدى، وأهم، لكن تلك الجهود فشلت كلها، ولا يُعزى ذلك لقصورٍ في أصحاب الاجتهادات، وإنما من المؤثر الخارجي الذي أصبح يحرّك كل فصيل، مما حوّل المعركة إلى الساحات الخارجية، وتقليص الدور أياً كان منشؤه والمتسبب فيه..
الرهان على التاريخ أو القوى الخارجية، أمام فشل المقاومة، أبقى السدود في وجه أي متفائل، وهذا لا يعني غياب الإرادة الفلسطينية أو عزمها على التحرير، لكن ما ينقص القيادات أنها تفرغت لصراعاتها على حساب الجبهة الواحدة أمام إسرائيل، وهي أزمة غير مبررة، ولأن الأسباب غير مبررة أمام وضوح الهدف، وغير منطقية أمام تآكل الأرض وضعف كل من يقف في الصف الفلسطيني..
في الماضي خدم قضايا العالم الثالث توازنُ القوى بين معسكريْ الشرق والغرب، لكن الأمور اختلفت بعد اختفاء قوة الشرق وتفرد أمريكا الحليف الأساسي لإسرائيل في الشأن العالمي كله، ومع ذلك عجزنا عن أن نستفيد من ظروف الماضي، وأهدرنا فرص الحاضر، ولعل أكبر الخاسرين القضية الفلسطينية التي بات قادتها يفاوضون على أمانيّ كاذبة، ووعود مقابل تمدد إسرائيلي على الأرض لجعل الوضع القادم أمراً طبيعياً تقره الحقائق لصالح إسرائيل..
التعليقات