يوسف الكويليت

انتصر أسطول الحرية، وانهزم مجلس الأمن الذي عالج الاعتداء، وكأنه حالة خاصة لاتنطبق عليها القوانين الدولية، وهذه فضيحة لمن يعتبرون أنفسهم حراس الشرعية والقائمين عليها، بينما ما حدث كان لابد أن يخلق رد فعل مساوياً للجريمة، لا البحث عن تبرير لها ومطالبة إسرائيل بأن تقدم تقريراً شفافاً، وهي البادرة العجيبة عندما يُطلب من المجرم أن يكون قاضي العدالة..

أمريكا في موقف حرج بين حليفين، وإن فضلت إسرائيل على تركيا، وهي سقطة لسياسة أوباما الذي من خلال تركيا المسلمة والمعتدلة أثار سخط العالم الإسلامي في وقت كان عليه أن يُخضع سياسته للمرونة والذكاء الدبلوماسي بعيداً عن الاستسلام للمؤثرات الصهيونية وأدوات الضغط التي تساندها، أيضاً لانعرف موقف دول حلف الأطلسي من الاعتداء على باخرة دولة عضو، ليست عسكرية ، أو مجهزة بأسلحة تدفعها نوايا حربية ، وهل ستكون المفاضلة بين المعتدي، والمعتدى عليه تأتي لصالح الأول؟ وهنا ما قيمة هذا التحالف وكيف يفسر روابطه وقوانينه في وضع كهذا يتطلب قراراً صريحاً من تلك الدول؟

بالنسبة للفلسطينيين كان المكسب كبيراً، ويعادل بموقفه ظهور إسرائيل بصورة المعتدي المجرم في أحداث غزة، لكن ما هو مطلوب أن لا يتكرر رفع الشعارات والأصوات بل أن يكون هناك استثمار للموقف بما يدلل على الدور السياسي الفاعل والذي يخاطب عقل الرأي العام العالمي بالوقائع ، وليس بالمنابر الخطابية، ثم إن موضوع الخلاف بين فصيليْ فتح حماس ومعالجته، والانقسام الذي أعطى صورة سلبية حتى بما أعطته تلك الحادثة، يتطلب موقفاً شجاعاً من طرفيْ العلاقة في حسم النزاع والتعالي على الخلافات ، وإعادة الوحدة الوطنية، إذ إن تركيا التي قادت المسيرة لم تفرق بين فلسطيني ينتمي لجهة ما وآخر، وهو ما يفترض أن لا يفكر كل طرف بأنه انتصار له، ولعل الاستمرار مع اللعبة الإقليمية مضر لأن الرهان على أي دولة تريد تجيير القضية الفلسطينية لصالحها يعد قصوراً في نهج القيادة في فتح وحماس معاً؛ لأن الموقف يتطلب الاستفادة من دعم أي دولة ودون تحالفات أو انحياز يضر بالقضية، وتركيا عكس إيران لم تكن منحازة مع وضد أي عنصر فلسطيني عندما قامت بدور أثار العالم كله..

فاستغلال الجو العالمي ، والوقوف مع تركيا التي قامت بدور عجز عنه الجميع يفترضان رفع سقف التأييد ونقل الموضوع إلى كل قوى العالم، ليس فقط بالموقف المعنوي، بل بأداء دور مَن يستغل إمكاناته السياسية والاقتصادية، وعلاقاته الدولية، وباعتبار ما قامت به إسرائيل سابقة خطيرة، وأن تماديها بخرق القوانين الدولية هو ما تمارسه كل المنظمات الإرهابية والتي ترى إسرائيل في حماس من خلال حملتها أنها تقع في نفس الخانة مع تلك المنظمات..

لقد شهدنا ارتباك المسؤولين الإسرائيليين وهم يردون على وسائل الإعلام العالمية، وكيف يتهربون من الردود على الأسئلة المحرجة لدرجة السذاجة حين حاولوا التدليس بأن الاعتداء على جنودهم جاء من بعض ركاب السفينة، وكأن حصار القوارب وإنزال الكوماندوز حق لها يجردها من مسؤولية الاعتداء..

عموماً السباق الآن بين كل الأطراف دبلوماسي وقانوني، وتركيا تملك إمكانات تحريك القوى المختلفة والنتيجة، مهما كانت، جردت إسرائيل من أي تعاطف دولي، وهي ثمرة هذا النجاح..