شريف عبدالغني

في توقيت متزامن شهدت مصر أربع وقائع متشابهة في دلالتها. الأولى أن المحكمة التي أصدرت حكمها في قضية رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى المدان بالتحريض على قتل المطربة سوزان تميم، خففت الحكم الذي صدر في جولة المحاكمة الأولى بالإعدام درجتين، فبدلاً من السجن المؤبد حكمت عليه بالسجن المشدد 15 سنة، وذلك بعدما laquo;استشعرتraquo; بحسب مصدر قضائي أن المذكور دفع laquo;ديّةraquo; القتيلة، وهو مبلغ غير معروف، لكن البعض ذكر أنه ملايين الدولارات حصل عليها والدها ليتنازل بعدها عن اتهام رجل الأعمال الكبير بالقتل. الواقعة الثانية أن نجل رجل الأعمال الشهير ريمون كريازي المتهم بالشروع في قتل ضابط أمن دولة سابق لن يحصل على يوم واحد سجنا بعدما تصالح مع المجني عليه، ودفع له -حسبما هو معلن- تكاليف علاجه في ألمانيا، فضلا عن مبلغ مليون جنيه لمعهد الكلى laquo;اعتذارا منه إلى الشعب المصريraquo; حسب صيغة الصلح. الواقعة الثالثة أن الشاب الذي كان عائدا من سهرة ليلية استمرت حتى الصباح ويقود سيارته بسرعة جنونية على الطريق الدائري ليقتل ويصيب نحو 25 شخصا، في طريقه للخروج من جريمته كالشعرة من العجين بعدما تصالح مع أغلبية أسر الضحايا ودفع لهم اللازم. أما الواقعة الرابعة فهي تثبيت حكم الإعدام على الشاب الفقير المدان بقتل ابنة المطربة ليلى غفران وصديقتها، لأنه طبعا لا يستطيع دفع laquo;الديةraquo;.
لست عالما دينيا حتى أفتي في موضوع laquo;الديةraquo;، لكني أظن أن ما حدث هو تحايل على الشريعة، فقد يكون مبدأ الدية مقبولا إذا كان القتل خطأ دون سبق تحريض وترصد وبلا شبهة استهتار تجاه الروح البشرية، وهو ما لا يتوافر في الوقائع الثلاث الأولى، وقد يؤدي مستقبلا إلى أن يكون القتل مباحا للأثرياء ما داموا يستطيعون دفع دية القتيل. وهنا يرى كثير من رجال القانون أن الحكم على هشام طلعت قد ينتهي بعد تقديم مذكرة الطعن على الحكم إلى البراءة أو السجن 3 سنوات فقط، ولأن عقوبة السجين تحسب من يوم القبض عليه فوقتها ستكون الدولة مدينة له بكام شهر سجناً، وقد يطلب تعويضا عن كل يوم زائد قضاه خلف القضبان، ولأنه كبير فإن التعويض سيتناسب مع مقامه وقد لا يقل عن ألف فدان من أراضي الدولة من التي اعتاد الحصول عليها برخص التراب ليجني من ورائها الملايين ليقدمها نوعا من الزكاة للمطربات البائسات تعويضا عن عدم توزيع ألبوماتهن، دون أن ينسى أن يلقي بعض الفتات لأهالي دائرته حتى يدعوا له الله أن يزيد عليه من نعمته ويرزقه في كل خطوة سوزان تميم جديدة. وقد يركب دماغه ولا يطلب تعويضا ماديا، لأن خزائن ثروته مثل قارون تنوء بحملها العصبة من أولي القوة، ويصر على سجن كل المسؤولين الكبير منهم قبل الصغير.
وبعد خروجه المنتظر قريبا من السجن، أتوقع السيناريو التالي:
الفرحة وتوزيع الشربات في مقر مجموعة laquo;طلعت مصطفىraquo; وإعطاء مكافآت للعاملين الذين دعوا بأن يفك الله كربة كبيرهم، بشرط تقديم المستندات الدالة على أن العامل منهم كان يدعو بإخلاص ومن شغاف قلبه. كما ستنحر الذبائح، وستتبارى وسائل الإعلام في الإشادة برجل البر والتقوى والاقتصاد الذي تحمّل الأهوال نتيجة خدعة وفرية من مطربة درجة ثالثة، لم تصن نعمة التمتع بحضن سليل الفراعنة وفضلت عليه رياض العزاوي العراقي حفيد البابليين. وبعد عناء استقبال المهنئين سيصل هشام إلى مكتبه، ويتخلص مسرعا من قبلات وأحضان عماله، فهو لم يتعود على الأحضان الخشنة الجافة من العمال العرقى، وسيتذكر رغما عنه أحضانا أخرى تفوح منها روائح أرقى العطور الباريسية. وبمجرد أن يجلس مستلقيا سيطلب من مدير مكتبه استدعاء مسؤول المهمات الخاصة لديه بديل laquo;محسن السكريraquo; قاتل سوزان.
يخرج السكرتير، ثم يعود مسرعا لولي نعمته: laquo;آسف يا أفندم، موجود بره مسؤول كبير من الدولة عاوز يبارك لسعادتكraquo;..
- خليه يتفضل.
يدخل المسؤول مهللا وفاتحا ذراعيه: الحمد لله على السلامة يا هشام بيه.. والله لك وحشة.. معلهش غمة وزالت.. والسجن برضه للجدعان..
* هشام: يعني جاي تقول الكلام ده دلوقت.. وسيبتوني لوحدي في القضية.. وبعتوني..
- ما تقولش كده يا باشا، بُكرة الأيام هتثبت لسعادتك إحنا إزاي وقفنا جنبك..
* هشام محتداً: يعني عملتولي إيه، كان أبسط حاجة إنكوا تصدروا قرارا بتأميم laquo;سوزان تميمraquo; بدل إللي جرى.. وبعدين أنا كنت في مهمة قومية باسم مصر، يعني يرضيكوا واحد مصري يدفع لسوزان دم قلبه، وييجي واحد عراقي يضحك عليه وياخد فلوسنا ويقطف الزهرة.. ده لا عاش ولا كان إللي يهين اسمك يا مصر..
- كلامك صحيح.. كلنا مهمتنا رفع علم مصر، لكن ما تنساش سعادتك إنك حصلت على أراضي مشروع laquo;مدينتيraquo; بقيمة مخفضة جدا جدا، وكسبت مليارات..
* بطلوا حسد بقى.. وبعدين لازم تساعدوا رجال الأعمال وتوفروا لهم كل وسائل الراحة والاستجمام وعدم تعكير المزاج، عشان عجلة الاستثمار تمشي..
- يعني سعادتك عاوز نوفر لنجوم البزنس laquo;الفياجراraquo; مثلا؟
* يضحك هشام: لأ يا راجل مش للدرجة دي.. إحنا والحمد لله بصحتنا وكل دي إشاعات مغرضة، وبعدين مش سعد الصغير بيقول laquo;لو معاك فلوس.. أحضن وبوسraquo; ها ها ها ها!!
- صحيح يا باشا.. وعموما إللي فات مات، وإحنا ولاد النهاردة.. وأنا بقدم لك هدية الخروج بالسلامة.. 100 ألف فدان تعمل فيهم كذا مشروع وتكسب كام مليار..
* وهتدفعوا لي كام؟
- المسؤول مصعوقا: ندفع لسعادتك إزاي.. المفروض إنك إنت تدفع ثمن الأرض حتى لو كان مخفضا..
* ده كان زمان يا حبيبي.. مش بتقولوا laquo;عاوزينها تبقى خضرا الأرض اللي في الصحراraquo;.. يبقى لا زم تدفعوا.. وكمان أنا عاوز أعوّض المبالغ الكبيرة إللي لهفتهم مني المرحومة وأسرتها، وكمان الملايين إللي أخدهم جيش المحامين.. وقبلهم laquo;السكريraquo;..
- المسؤول مستسلما: خلاص هنوّصل لسعادتك المرافق من كهربا ومياه وغيره، ومش عاوزين ثمن الأرض..
* لأ طبعا.. لازم تدفعوا ومش هأقبل أقل من 100 ألف جنيه عن كل فدان..
- أمر سعادتك!!
في هذه الأثناء أمسك هشام ريموت التلفزيون وفتح إحدى قنوات الأغاني، وشاهد مطربة فيديو كليب جديدة، فطلب فورا laquo;مسؤول المهمات الخاصةraquo; وسأله عن ظروف المذكورة. فأخبره laquo;المسؤولraquo; أنها مرتبطة بشاب سوري، فقال له هشام آمرا: laquo;خلاص.. خلصّraquo;!
- أخلّص خالص؟
* هشام: طبعا.
- طيب لو رحنا في سين وجيم واتقبض علينا يا باشا؟
* ما تبقاش متخلف زي laquo;السكريraquo;.. الكلام ده كان زمان.. بعد ما تخلص إبقى سيب laquo;الديةraquo; جنب الجثة يا غبي!!