يوسف الكويليت

خطورة الكلمة أياً كان مصدرها قد تؤدي إلى المحاكم لو صارت قذفاً أو للطلاق أو لأي شأن ضار، عكس الكلمة الصادقة والمبتهلة والحكيمة، وتكون قذيفة خطيرة وقاتلة عندما تصدر من رجل علم بالشريعة والدين الإسلامي لتتحول إلى فتوى، وما قاله الشيخ يوسف الأحمد بهدم المسجد الحرام لمنع الاختلاط وبناء عدة طوابق لمنع ما اعتبره سبباً في الهدم هو أمر يدعو للتساؤل لأن مثل هذه الفتوى لا تقف على شخص ولا جماعة محدودة لو كانت تحقق غاية شرعية، بل إجماع إسلامي عام وهو لن يحدث لأن الحرم بهيئته الحاضرة وجِد من زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإحداث أي تغيير يعني طرح السؤال أين سيكون موقع الكعبة والمقام والطواف والسعي؟! وحتى لو أخذنا الأمر كوجهة نظر أو اجتهاد خاص، فهل يسوغ الهدم عملية الاختلاط فقط ونترك باقي المنافع الكبيرة عندما أصبحت تكاليف التوسعة توازي ميزانيات دول عديدة؟

وللأسباب التي طرحها الشيخ الأحمد، هل نسمع ونقرأ ونشاهد آراء من مشايخنا وقضاتنا وكل من يحملون هذا الاختصاص في هذا الشأن، ثم ألا تُحدث مثل هذه الفتوى فتنة واختلافاً بين كل المسلمين بمذاهبهم وتنوعاتهم لأن مثل هذه الخطوة تعني أننا أمام إفراط بالفتوى التي لا تأخذ المسؤولية من جوانبها المختلفة وردود فعلها الصعبة والخطيرة؟

لقد أقامت العالم الإسلامي مسألة إحراق اليهود للمسجد الأقصى ومذبحة الحرم الإبراهيمي، وتفجّر غضب مسلمي الهند عندما أقدم الهندوس على هدم المسجد البابري، وماذا لو نادى أصحاب الديانات الأخرى بهدم كنائسهم ومعابدهم وكل ما يتصل بتراثهم الديني، قد تشعل هذه الأمور حروباً خطيرة لأن المسّ بالمقدس مسألة لا تخضع للرأي فقط طالما المبدأ العام يجسد القناعة الواحدة؟

دعونا نأخذ بالنوايا الحسنة ونقول إن الشيخ الأحمد اجتهد وربما أخطأ، فالقضية لا تقاس برأيه فقط عندما تحول رأيه إلى خبر تناقلته وكالات الأنباء ومحطات الفضاء ومواقع الإنترنت، والانعكاس السلبي لا يأتي فقط على قول الشيخ بل يُنظر للأمر وكأنه مسؤولية للمملكة التي ترعى الحرمين الشريفين ليأتي مثل هذا الإطلاق بالرأي عائداً سلبياً وخطيراً على المملكة كلها، والتي قدمت الكثير في التوسعة والتشييد والبناء وتحمّل أعباء الحج والعمرة والزيارة وكل ما يتصل بتخفيف الأحمال عن المسلمين بكافة طوائفهم..

ما يصدر من المملكة سواء جاء على مسؤولية شخص أو جماعة ولو لم يكن رسمياً لا يماثل ما يأتي من بلد آخر، وهنا لابد من الالتزام بالقواعد العامة التي لا تؤدي إلى أضرار علينا، وبالأخص في المسائل الدينية التي يصعب فهم نتائجها ومخاطرها..