سركيس نعوم

فاجأت مجريات الانتخابات التشريعية في العراق التي اجريت قبل نحو ثلاثة عشر يوماً والتي لم تعلن نتائجها الرسمية بعد بسبب عدم انتهاء عمليات الفرز الكثيرين من متابعي الاوضاع العراقية وتشعباتها الداخلية من طائفية ومذهبية وعرقية وخلفياتها الخارجية من صراع على النفوذ بين عدد من الدول العربية والاسلامية وعدد آخر من الدول الكبرى. اول دوافع المفاجأة كان الأداء البارز بل الباهر لرئيس الوزراء السابق والبعثي المنشق عن بعث (الراحل) صدام حسين الدكتور اياد علاوي في الانتخابات المذكورة. وقد ظهر ذلك من خلال نتائج ما يقرب من 90 في المئة او اكثر بقليل من أصوات المقترعين. وهي ترشح علاوي بعد انجاز الفرز لموقع من اثنين. الاول، فوزه وقائمته بأكبر كتلة نيابية في المجلس العتيد وتالياً تحوله تلقائياً مرشحاً طبيعياً لتأليف الحكومة الجديدة. علماً ان نجاحه في ذلك يقتضي تحالفاً بينه وبين كتل اخرى قوية ومتنوعة. واذا عجز عن اقامة تحالف كهذا فان لا شيء يمنع اختيار آخر لتأليف الحكومة وخصوصاً اذا كان قادراً على تأمين غالبية نيابية تؤيدها وتؤيده. اما الموقع الثاني فهو احتلال كتلته النيابية المرتبة الثانية في المجلس وتحوله تالياً رقماً صعباً في الحياة النيابية بل في الحياة السياسية العراقية وحتى في مستقبل العراق كدولة ونظام. وثاني دوافع المفاجأة كان الأداء الانتخابي الضعيف او حتى الهزيل في نظر البعض للقائمة التي يشكل المجلس الاعلى الاسلامي برئاسة السيد عمار الحكيم والتيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر ابرز كيانين سياسيين فيها. فهذا التكتل مرشح لأن يحتل المرتبة الثالثة من حيث عدد النواب في المجلس في حين ان توقعات الجهات التي دعمته من داخل العراق وخارجه والتي ربما ساهمت في اقامته كانت اعادة رئيس الحكومة الحالية نوري المالكي الى ما تعتبره حجمه الطبيعي الذي ضخمه كثيراً فوز ائتلافه في الانتخابات المحلية الاخيرة، واعادة آل الحكيم ومجلسهم بمساعدة الصدريين الى صدارة الزعامة الشيعية في العراق بل الى صدارة الزعامة في العراق الحديث، عراق ما بعد صدام. اما ثالث دوافع المفاجأة فكان نجاح نوري المالكي رئيس الحكومة في تحقيق نتائج قوية جداً لتحالفه الانتخابي سواء مكنته هذه النتائج من البقاء في رئاسة الحكومة او دفعته الى المرتبة الثانية على الصعيد السياسي والنيابي والوطني في العراق. ذلك انه رغم تمتعه برضا جهات شعبية عدة ذات انتماءات مختلفة وربما افادته من موقعه الحكومي في الانتخابات او افادة هذا الموقع له في صورة غير مباشرة، واجه معارضة قوية بل شرسة من اقوى الجهات الاقليمية المتدخلة في بلاده او المعنية بها وصاحبة المصلحة في دفع اوضاعها في اتجاه او في آخر والمتناقضة في ما بينها وفي مقدمها الجمهورية الاسلامية الايرانية والمملكة العربية السعودية والى حد ما سوريا بشار الاسد.
في اختصار، يعزو المتابعون انفسهم للاوضاع العراقية بتشعباتها الداخلية وخلفياتها الخارجية، نتائج انتخابات العراق، المشروحة اعلاه وان مبدئياً، الى اسباب عدة من ابرزها الطريقة التي شكل بها السيدان عمار الحكيم ومقتدى الصدر لائحتهما والبعض يقول الطريقة التي شكلت بها ايران هذه اللائحة كون زعيميها هما الاقرب اليها. وهي طريقة لم تأخذ في الاعتبار عوامل كثيرة اثناء اختيار المرشحين الامر الذي لم يُغْرِ الناس بالتصويت لها. وبهذا المعنى فإن المتابعين هؤلاء ومعهم جهات اقليمية ودولية عدة يعتبرون حلول لائحة الحكيم ndash; الصدر في المرتبة الثالثة هزيمة ليس لهما فقط بل ايضاً لايران. ومن ابرز الاسباب ايضاً اصرار المرجعية الرئيسية الشيعية الاكبر في العراق آية الله علي السيستاني على اعتماد اللائحة المفتوحة في الانتخابات رغم اجماع معظم التيارات والحركات والشخصيات والتكتلات على اللائحة المقفلة وذلك رغبة منه في اعطاء الناخبين حرية اختيار حقيقية بين الاف المرشحين وحرصاً منه على تمكين الناخبين من محاسبة المرشحين وخصوصاً العاملين في الحياة السياسية. فاذا كانوا فاسدين وغير جديرين يسقطونهم. واذا كانوا واعدين ينتخبونهم. ومن ابرز الاسباب اخيراً اصرار المرجعية الاكبر نفسها على عدم التدخل في الانتخابات. ومن الامثلة التي يعطيها المتابعون المشار اليهم اعلاه عن ذلك موقفه الذي ابلغه الى quot;المرشحquot; وزعيم اللائحة اياد علاوي اثناء احدى زيارتيه له رداً على اقتراحه الائتلاف مع مجموعة الحكيم ndash; الصدر بعد الانتخابات مباشرة واستعداده لتوقيع مستند بذلك يبقيه معه (اي المرجعية). وكان هذا الرد ان عرضا كهذا ستفسره المجموعة الاخرى بأنك تدعوها الى التحالف مع أمر واقع هو رئيس الوزراء أياد علاوي. وسترد عليه بأن العرض يكون جدياً اذا عرض صاحبه الاتفاق او الائتلاف في الانتخابات أي تشكيل لائحة واحدة مقبولة من الفريقين.
في أي حال لم يعد بعيداً موعد اعلان النتائج النهائية للانتخابات رسمياً. ولم يعد بعيداً موعد معرفة رئيس الوزراء المقبل في العراق، لكن لا أحد يعرف موعد تأليف الحكومة. فذلك رهن ظروف وعوامل وجهات داخلية وخارجية سيعالجها quot;الموقفquot; يوم الاثنين المقبل.