محمد عبداللطيف أل الشيخ

لا يستفزني شيء مثل أولئك الذين يضعون (النقد) الإعلامي في مستوى (الإرهاب)، وحجتهم المزعومة: إن من يستفز الإرهابيين هم (التغريبيون)؛ فلولا هؤلاء لما كانوا أولئك. والتغريبيون مصطلح تمت فبركته مؤخراً ضد كل من ينادي بالتنمية، والالتحاق بقطار العولمة، ومحاصرة التخلف الحضاري. الفعل الإرهابي يعني أن تأتي إلى شخص آمن مطمئن وتقتله أو تروعه أو تهز أمنه وتجعله يعيش في خوف ورعب، سواء كان هذا الشخص داخل منظومتك الوطنية أو العقدية أو خارجها، أو تجعله ضحية محتملة، طالما أنه يعيش في الوسط الذي تريد أن تمارس (الوصاية) عليه، كما يفعل الإرهابيون. أن (تنتقد)، وتضع الحروف على اللوح، والنقاط على الحروف، فأنت عملياً تساعد على محاصرة الإرهاب الابن الشرعي للتطرف والغلو. ويخطئ من يظن أن هناك تشدداً محموداً ليس بالضرورة أن ينتهي إلى الإرهاب، وتشدداً مذموماً هو على سبيل (الحصر) الذي يفضي إلى الإرهاب. هذا (خراط فاضي). التشدد ملة واحدة، ومنهج، وطريقة استدلال، وتهميش لكل من يختلف معك، وامتلاك للحقيقة، وبذور تبذرها في الأرض، وتتولاها بالرعاية والسقاية والحماية، لتكوّن (بالضرورة) في النهاية ثقافة الإرهاب.

الذين يضعون الإرهاب وكأنه نتيجة يجب أن تكون متوقعة للعولمة والحرية الإعلامية هم في الواقع يتلمسون للإرهاب عذراً؛ وعندما نمرر مثل هذه الأعذار الواهية والمتخلفة والتضليلية فنحن نساعد في تبرير الإرهاب؛ ومن يُبرر الإرهاب فهو -بلا شك- شريك (كامل) في الجريمة الإرهابية قبلَ أم لم يقبل. الإرهاب، والقتل، والاغتيالات، والتفجيرات، والعمليات التي يسمونها (جهادية)، كانت موجودة ومنتشرة قبل العولمة وقبل أن تسمح الدولة برفع سقف الحريات الإعلامية في البلاد.

ماذا يعني هذا؟..

يعني أن الإرهاب لا علاقة له بهذه المبررات، وأن أولئك الذين يشنون الحملات تلو الحملات على الوسائل الإعلامية بدعوى أنها تستفز الغلاة، هم في الواقع يدافعون عن أنفسهم، ومنهجهم، ويحمون بضاعتهم من الكساد، ويتملصون من تحمل المسؤولية؛ فالإرهاب لم تأت به إليناكائنات فضائية قادمة من المريخ، وإنما هو إفراز لثقافة محلية، تمت إعادة صياغتها وقولبتها في (حركات حزبية) على نمط الحركات الثورية في الخارج، لا تقبل الاختلاف، ولا الحوار، ولا المجادلة بالتي هي أحسن، وتحاول ما استطاعت (تكميمَ الأفواه)، والدعوة إلى مصادرة النقد بحجة أنها، وما تتحدث فيه، (فوق النقد)؛ والنتيجة: إما أن تكون معي، أو أنت بالضرورة ضد الإسلام، وضدي، في الوقت ذاته؛ لأني أنا، وليس ثمة أحد غيري من يُمثل الإسلام، وبالتالي فإنَّ من يقف ضده، فهو إما مرتد (الكفر بعد الإسلام) أو هو كافر أصلي، الأول يجب قتله حداً، والآخر يجب جهاده حُكماً. هذا المنطق ليس منطق ابن لادن وزمرته، إنما يمارسه (عملياً) كل أولئك الذين يرفضون فقه الاختلاف، ويحتكرون الإسلام في رؤاهم، ومنهجهم، وكل من اختلف معهم ، ومع تخريجاتهم الفقهية، حتى وإن كان هذا الاختلاف في قضايا فقهية فرعية وليست عقدية -كالاختلاط مثلاً- فسوف يجدون وسيلة بأية طريقة للحكم (بردته)؛ كما فعل أحدهم عندما أعلن فتواه (الفضيحة) في كفر كل من أباح الاختلاط؛ في تخريج فقهي (كوميدي) كما وصفها أحد الزملاء.

وقبل أن أختم أقول: الذي يضع الفتى المأفون عبدالله عسيري، صاحب المؤخرة المشحونة بالمتفجرات، في مستوى رجل لا يحمل إلا قلماً، ولا يقول إلا كلمة، ولا يُدافع إلا عن وطن، فهو لا يمت -بصراحة- للمنطق ولا للموضوعية بصلة؛ ولن أقول أكثر.