سركيس نعوم

اللبنانيون العاديون ارتاحوا في معظمهم الى المصالحة quot;التاريخيةquot; التي حصلت في الكويت بين عاهل السعودية الملك عبدالله بن عبد العزيز ورئيس سوريا بشار الاسد، وذلك انطلاقاً من اقتناع رسّخه تطوّر الاحداث في بلادهم منذ عام 2005 بأن هذه المصالحة وحدها قادرة على وضع فريقي الصراع في لبنان على سكة الحوار فالتفاهم ثم التسوية وإن تكن موقتة. وكان اقتناعهم صائباً، اذ حُلّت عقد كثيرة وأجريت انتخابات نيابية quot;بسلامquot; وشُكّلت حكومة quot;توافق وطنيquot; تضم الجميع. طبعاً لم يؤد ذلك الى حل كل القضايا المختلف عليها في لبنان، لكنه أبعد شبح الاقتتال وأعاد بعض أمل في امكان الصمود بحد ادنى من الهدوء ريثما تسمح اوضاع المنطقة بالعمل الجاد لبناء الدولة. ولم يقلل الارتياح المذكور، وهذا ما لاحظه هؤلاء اللبنانيون، من الدور الذي كان للمصالحة المشار اليها في تكريس تحول ميزان القوى في لبنان على حساب حلفاء المملكة وذلك لأسباب صارت معروفة.
هل ستبقى المصالحة quot;التاريخيةquot; تاريخية؟ اي هل ستصمد رغم كل ما يمكن ان تواجهه من تحديات داخلية وخارجية؟
quot;التاريخيةquot; لا تعني النهائية. وعلى هذا يمكن القول مبدئيا ان لا وجود لمصالحات نهائية او لانهائية لعلاقات صداقة وتعاون تحالف قانون بين دولتين او اكثر بعد مرحلة من العداء. اما من الناحية العملية فان المعلومات المتوافرة لدى لبنانيين قريبين من دمشق تشير ليس الى انتهاء مفعول المصالحة، بل الى وجود اجواء من الشكوك في استمراره. والسبب الاساسي لذلك قد يكون إما تباطؤ السعودية في تنفيذ ما اخذته على نفسها من التزامات سواء في قمة المصالحة او في اللقاءات الاخرى التي عقدت لاحقا. في حين ان سوريا نفذت تقريبا كل ما التزمته، وإما تغيير القيادة السعودية رأيها حيال الالتزامات. وفي الحالين يمكن ان يهدد ذلك التضامن العربي الذي كان بدأ يعود انطلاقا من مصالحة الكويت. كما يمكن ان يهدد مباشرة الوضع اللبناني quot;التعيسquot;.
ما هي الالتزامات السعودية والسورية التي قد تكون السبب في اعادة لبنان الى الصفر وما دون؟
يقول القريبون من دمشق انفسهم، جوابا عن ذلك، ان سوريا بادرت بعد المصالحة الى المساهمة في حل مشكلة المملكة مع الحوثيين اليمنيين الذين هاجموا مناطق حدودية لها واحتلوا عدداً من القرى فيها. اذ اتصلت قيادتها بليبيا طالبة منها او متمنية عليها وقف الدعم الذي تقدمه الى الحوثيين وخصوصاً المالي. وحصلت على تجاوب قوي من القيادة هناك. كما بحثت ايضا في الموضوع نفسه مع حليفها الاستراتيجي الجمهورية الاسلامية الايرانية ولقيت تجاوباً. وترجم التجاوب عملياً بتهدئة ذلك الجانب من الحدود السعودية ndash; اليمنية وبانسحاب الحوثيين من القرى التي احتلوها.
ويقولون ايضا انها بادرت الى ايجاد حل أو quot;تسويةquot; للأزمة اللبنانية المتفاقمة تراعي اوضاع حلفائها في لبنان. فسهلت عبرهم طبعاً وصول الحريري الابن الى رئاسة الحكومة في مقابل مبادرة حلفائه الى تحسين ثابت ونهائي للعلاقة مع سوريا انطلاقاً من اتفاق الطائف ومن الاتفاقات اللبنانية ndash; السورية الكثيرة وابرزها معاهدة الاخاء والتعاون والتنسيق التي وقّعها المسؤولون في البلدين بعد انتهاء الحرب عام 1990. ويكتفي هؤلاء القريبون بهذين الالتزامين ليشيروا الى ان المملكة لم تقم بالالتزامات التي اخذتها على نفسها، سواء في ما يتعلق بهما او بقضايا اخرى. فلبنانياً مثلا لا تزال المملكة تقدم الدعم المالي، سواء مباشرة او عبر شقيقات لها في المنطقة لفريق اساسي في 14 آذار مستمر في مواجهتها وحلفائها ومتمسك بكل مواقفه السابقة التي عاد عنها بعض حلفائه والتي يستعد حلفاء آخرون له للعودة عنها. فضلا عن انها لم quot;تُقنعquot; في صورة نهائية حليفها quot;تيار المستقبلquot; بالتوجه الجديد. فبعض اعضائه لا يزال على مواقفه المعروفة. وبعض اركانه لا يزال يعمل داخله لتوظيف المصالحة للصمود ريثما تتغير الاوضاع في الخارج لمصلحته. ورئيسه رئيس الحكومة سعد الحريري لا يبدو حاسما. اما عربياً، يضيف القريبون من دمشق انفسهم، فلم تبادر المملكة او ربما لم تنجح، في مصالحة مصر وسوريا على نحو جدي وتحديداً في ايجاد حل للموضوع الذي يبدو انه السبب الرئيسي للخلاف وهو صراع quot;فتحquot; وquot;حماسquot; والذي ترفض مصر الى الآن ان يكون لأي من الدول العربية باستثنائها دور فيه. طبعاً، يستدرك هؤلاء، لا يعني ذلك ان دمشق والرياض على ابواب قطيعة جديدة، لكنه يعني ان الاولى قد تتصرف بمفردها في عدد من الموضوعات التي اتُّفق عليها، وابرزها لبنان في انتظار إما جلاء الظروف وملابسات عدم الالتزام ومن ثم تأكيده، وإما التخلي عنه مع كل المحاذير المعروفة لذلك.
هل ما قاله اعلاه القريبون اللبنانيون من دمشق انفسهم صحيح؟
جوابا عن ذلك اقول انه لا يمكن الشك في قربهم من القيادة السورية وتالياً من معرفتهم. اما مدى صحة اقوالهم فأمر آخر لا استطيع الدخول فيه. واقول ايضا انه لا بد من الحصول على معلومات او معطيات من السعودية أو قريبين منها لاجراء تقاطع مع معلومات هؤلاء وتالياً لمعرفة الصح من الخطأ. وهذا امر غير سهل لأسباب عدة. ولذلك لا بد من انتظار التطورات التي وحدها تستطيع ربما أن تفصل في هذا الموضوع.