عبدالوهاب بدرخان


المعلوم أن بارقة أمل جديدة تلوح في أفق المصالحة الفلسطينية. والمجهول كيف ومتى، فلا أحد في laquo;فتحraquo; أو laquo;حماسraquo; يدعي أنه يعرف. المعلوم أيضاً أن كثيراً من التصرفات على الأرض، في الضفة كما في القطاع، يناقض الاتجاه الى انفراج، والمجهول هل إن الموانع السابقة انحسرت فعلاً مفسحة في المجال لتفكيك العقد. المعلوم أخيراً أن العرب والفلسطينيين أعلنوا مراراً ضرورة هذه المصالحة والحاجة الملحّة إليها. والمجهول أولاً وأخيراً، هل إن الجميع يتحدث عن الهدف نفسه، وهو ما لا يبدو أكيداً، وإلا فإننا مقبلون على فراق ميمون بين laquo;الاعتدالraquo; و laquo;الممانعةraquo;.

هناك حراك، بلا شك، وآمال واعدة تجب المحافظة عليها. والمهم أن المصالحة أصبحت تُقدَّم الآن وكأنها أحد الأثمان التي يجب أن تدفعها إسرائيل لقاء خطأ هجومها الدامي على laquo;أسطول الحريةraquo;. فهي تمتعت طوال أربع سنوات بغضّ نظر، بعضه عربي وأكثره دولي، عن حصارها غزة وعبئها المكشوف بالانقسام الفلسطيني. وظنّ من غضّوا النظر أن إسرائيل ستحسن اللعب بهذين المعطيين لتحرز تقدماً معقولاً في المفاوضات، ثم خاب ظنهم، لذا غدت المصالحة الآن أحد مطالب هيئة laquo;الرباعيةraquo; الدولية، كما نص بيانها الأخير.

هل يعني ذلك أن laquo;الرباعيةraquo; تخلت عن شروطها الأربعة على laquo;حماسraquo;؟ لا شيء مؤكداً، وفي أي حال كانت تلك شروطاً إسرائيلية تبنتها laquo;الرباعيةraquo;، بضغط من إدارة جورج بوش. وباستثناء الأميركيين، كلما فوتح أحد أطراف laquo;الرباعيةraquo; بالأمر منفرداً كان يعترف بأن تلك الشروط كانت أحد أسوأ الأخطاء الدولية. من هنا أن إطلاق النار على قافلة المساعدات شكّل فرصة للتصحيح. لكن يجب الاقتصاد بالتفاؤل، فما نراه عملياً يقتصر على laquo;تخفيفraquo; للحصار مقابل تخفيف للشروط. وبالتالي، فإن laquo;الفيتوraquo; الأميركي على المصالحة بات هو الآخر بين قوسين.

قد تكون هناك laquo;نعمraquo; أميركية للمصالحة لكن عبر laquo;الرباعيةraquo;. قد يكون جورج ميتشيل نقلها الى الرئيس محمود عباس لا بصفته مبعوثاً رئاسياً وإنما بصفته مجرد laquo;مصدر مأذون لهraquo;. ومثلما حصل ممثل laquo;الرباعيةraquo; توني بلير على موافقة نتانياهو على الترخيص لإدخال الكزبرة والبقدونس وغيرها من السلع ذات الاستخدام المدني الى غزة، كذلك حصل بلير على غضّ نظر إسرائيلي على تسهيل المصالحة الفلسطينية.

هذا التغيير الدولي، على شكليته وهشاشته، أوحى للجانب العربي بإمكان التحرك. لكن كانت هناك عقدة laquo;الورقة المصرية أولاًraquo; التي يفترض إيجاد مخرج لها. هنا أعيد استخراج فكرة وضعت على الطاولة منذ أسابيع ولم يُلتفت إليها، لكنها أصبحت فجأة ذات مغزى، أي أن تقدم laquo;حماسraquo; ملاحظاتها أو مآخذها في ورقة منفصلة تلحق إلزامياً بالورقة المصرية الموقتة. طبعاً، ساهمت زيارة الأمين العام للجامعة العربية في ترتيب الفرصة لإحياء هذه الفكرة، وقد يتاح لعمرو موسى ما أتيح لتوني بلير، إلا إذا كانت العقدة عربياً أصعب منها دولياً، فعندئذ قد يعني laquo;تخفيف الشروطraquo; قبول ملاحظات laquo;حماسraquo; من دون أن يعني مصرياً الأخذ بها، أي أنها لن تعتبر laquo;تعديلاًraquo; ولو مستقلاً للورقة.

المخرج الاستطرادي يُختصر بثلاثة: وقعوا، وتصالحوا، ثم تفاهموا في ما بينكم على المآخذ. هذا يعيد الإشكال الى مربعه الفلسطيني. لكن، هنا أيضاً، ثمة عمل جار، صحيح أنه يتسم بالجديدة، إلا أنه مفعم بالشكوك، ويدرك الطرفان أن اللحظة الراهنة تلح على بلورة إرادة ndash; هل نقول laquo;وطنيةraquo; ndash; لإنجاز المصالحة. القرار صعب على الجانبين، فالسلطة متأهبة للانطلاق في التفاوض، و laquo;حماسraquo; منتشية بخلط الأوراق الذي أحدثته قافلة المساعدات، أي بنتيجة صمودها. كلاهما يريد المصالحة لهدف مختلف. كلاهما يعرف بنود اتفاق المصالحة (الورقة المصرية)، لكن التبعات عليهما غير واضحة لهما. قد ترفع الولايات المتحدة تهديداتها بقطع المساعدات عن السلطة متى أصبحت laquo;حماسraquo; فيها، لكنها ستتوقع من السلطة أن تتساهل أكثر في المفاوضات وأن تتشدد أكثر في الأمن، وإلا فإن الكونغرس لن يتأخر في التحرك. وقد يُحجم حلفاء laquo;حماسraquo; (سورية وإيران... وتركيا!) عن وضع عراقيل أمام المصالحة، لكنهم سيتوقعون منها أن تأخذ حصتها كاملة في القرار سواء كان سياسياً أو أمنياً، وبما أن الطرفين يحتاجان الى تجديد شرعيتهما، دستورياً، فإن الانتخابات ستشكل استحقاقاً لا بد منه في أقرب وقت، وأقلّ ما يمكن قوله الآن إن أي اقتراع يجب أن يعزز وضع السلطة وهيبتها وبالتالي تمثيلها للفلسطينيين جميعاً... في المفاوضات.

المفهوم عموماً أن ما تريده واشنطن و laquo;الرباعيةraquo; ومعظم العرب هو أن وظيفة المصالحة دعم المسعى التفاوضي، وهذا طموح السلطة الفلسطينية أيضاً. أما laquo;حماسraquo; فترى انخراطها في المصالحة تمهيداً للاعتراف بها وتصوير الحوار معها، كونها باتت تعتبر نفسها مؤهلة لدور قيادي كامل. صحيح أن أقطابها لمّحوا الى تحريك محتمل لمواقفهم الأساسية، والى استعداد لمقاربة مرنة للتسوية، إلا أنهم سيقيسون خطواتهم بمدى الانفتاح عليهم. لكن هذا الطموح الحمساوي لا يتطابق مع أي أجندة أخرى خارج معسكر laquo;الممانعةraquo;.