عادل الطريفي

ليس من قبيل المبالغة أن يقال اليوم بأن العلاقات السعودية - الأميركية تمر بأفضل حالاتها، فبعد مرور قرابة العقد على أحداث 11 سبتمبر السيئة تبدو السعودية اليوم في موقع الشريك والصديق للولايات المتحدة أكثر من ذي قبل. والمراقب لاجتماعات قمة العشرين هذا الأسبوع يدرك مقدار الأهمية التي صنعها العاهل السعودي الملك عبد الله لبلده، وقد ظهرت السعودية إلى جوار كبريات الاقتصاديات العالمية مثبتة في وقت قصير تميزها، واستعدادها لتكون شريكة في صناعة القرار الاقتصادي على المستوى الدولي.

لعل أبرز ما يميز العلاقات السعودية - الأميركية اليوم هي أنها ليست علاقة مبنية على التعاون في مجال النفط والطاقة، أو التعاون العسكري فقط، بل إنها باتت تمثل علاقة ذات مصالح تتجاوز إطار البلدين وتتعدى إلى الوضع الإقليمي والدولي، أي أن أهمية التعاون بين البلدين باتت في مصلحة المجتمع الدولي أكثر من أي وقت مضى. خذ على سبيل المثال قمة العشرين، وكيف كان للسعودية دور مميز باتباع سياسة منشطة للاقتصاد المحلي مما عزز في النهاية أهداف النمو على المستوى الإقليمي. أيضاً، تأمل في قضية الإرهاب العالمي، وكيف أصبحت السعودية أحد الرواد الكبار في مكافحة التنظيمات الإرهابية، وتجفيف منابعها، بحيث صارت نموذجاً في المجال الأمني ومطروقة الباب للاستشارة والتعاون من قبل الكثيرين. أما في مجال الطاقة، فقد أثبتت السعودية عقداً بعد عقد أنها الدولة التي يعتمد عليها في استقرار الأسواق، وباعتراف الخبراء كان لسياساتها النفطية خلال الأزمة المالية العالمية دور رائد في تهدئة السوق النفطية وامتصاص الصدمات الناتجة عن المضاربات الحادة في أسعار النفط.

ويأتي لقاء الملك عبد الله بن عبد العزيز بالرئيس الأميركي أوباما دليلا ليس على اهتمام الولايات المتحدة بالسعودية كشريك اقتصادي فقط، بل لإدراكها بأن سياسات السعودية في عهد الملك عبد الله باتت ميزان الاعتدال في السياسات الإقليمية. قديماً كان لاختلاف وجهات النظر بين البلدين حول بعض المسائل، لا سيما عملية السلام، تأثير غير إيجابي على تكامل العلاقات بينهما، بيد أن ما يمكن ملاحظته هو أن الولايات المتحدة في عهد الرئيس أوباما باتت ميالة للاستماع أكثر، بل إن عدداً من المسؤولين الأميركيين قد أفصحوا بأنهم كانوا ينشدون في السابق دعم الموقف السعودي لسياسات الولايات المتحدة. أما اليوم، فإنهم بحاجة إلى الرأي السعودي قبل أي شيء.

الرئيس أوباما يتمتع بشعبية كبيرة داخل السعودية، ربما كانت الأعلى في المنطقة، كما أن جامعات ومدارس الولايات المتحدة تحوي أكثر من 20 ألف طالب وطالبة من السعودية، وهي نسبة الابتعاث الأكبر من بين الدول التي اختارها السعوديون.

ويتبادر إلى التفكير هنا هو حاجة السعوديين والأميركيين إلى المزيد من التبادل في مجال التعليم والتدريب حتى يتمكن الطرفان من المحافظة على هذا المستوى من العلاقات، وعلينا أن نتذكر أن أحداثاً مؤسفة كالحادي عشر من سبتمبر حدثت في وقت كانت السعودية وأميركا أقل تواصلا على المستوى التعليمي. الجيل الجديد من السعوديين المتعلمين في أميركا هم جيل الملك عبد الله، الذي رعى بشكل حكيم برنامج الابتعاث إلى الولايات المتحدة، وجعل ذلك من الأولويات بالنسبة لسياسة التعليم في بلده. نتائج هذا الابتعاث باتت تأتي تباعاً، وسيكون من الممتع تتبع قوافل المبتعثين العائدين لوطنهم بتعليم أميركي ينشد الإسهام الإيجابي.

بقي أن يتطور التعاون السعودي - الأميركي إلى مؤسسات مناسبة لهذا الحجم من الشراكة. صحيح أن هنالك عدداً من اللجان والجهات المعنية بمتابعة الحوار والتعاون الاستراتيجي، ولكن لا شك أن المرحلة بحاجة إلى مؤسسات من نوع آخر. إذا كنا نقول بأن العلاقات السعودية - الأميركية علاقات خاصة، فيجب أن تكون لها مؤسسات تعكس هذه الخصوصية، وقادرة على أن تجعل التقارب المميز الذي نشهده اليوم مستداماً. أما على صعيد التعاون الإقليمي، فإن الوقت قد أزف كي تكون هناك حلول مشتركة قادرة على تجاوز بعض نقاط الاختلاف، وتؤسس لمرحلة جديدة تعكس موقف الاعتدال والسلم في كافة القضايا.

لقد استطاع الملك عبد الله أن يطبب العلاقات السعودية - الأميركية، وأن يساهم في تحويلها إلى علاقة تعاون مهمة للعالم الخارجي.