زايد الزيد



استكمالا لحديث يوم أمس، نقول : سيظل ملف ترسيم الحدود، بيننا وبين العراقيين، ملفاً معلقاً من جانبهم!

ومن خلال تعليق هذا الملف، سيحاول العراقيون في السنوات والعقود المقبلة تحقيق ثلاثة أهداف، الأول هو هدف سيجري تطبيقه على المدى القصير، ويرمي إلى استخدام ملف ترسيم الحدود كورقة ضغط وابتزاز ومقايضة، لضمان تنازلنا عن أموال التعويضات وعن أموال الديون، وهي أموال مستحقة لنا على العراق كدولة، بغض النظر عن شكل حكوماته أو أنماطه السياسية.

وحتى لو تنازلنا عن أموال التعويضات وأموال الديون، فلن تعترف أي حكومة عراقية منتخبة، بالحدود المشتركة بيننا وبينهم برا وبحرا، بشكل واضح وصريح، كما رسمتها الأمم المتحدة عبر قرار مجلس الأمن رقم (833)، ذلك أن أهدافهم تجاه الكويت أبعد وأعمق، كما سنبين في السطور اللاحقة، وبالتالي لن يغلق العراقيون هذا الملف في حال قيامنا بالتنازل عن حقوقنا من أموال الديون وأموال التعويضات، بل سينقلونه إلى المحطة الثانية لتحقيق هدفهم الثاني، وسيجري التعامل مع هذا الهدف وفق المدى الزمني المتوسط، ومن خلال المحطة الثانية من التعاطي مع هذا الملف، سيتم ابتزازنا فيه ومقايضتنا عليه، في قضايا مستجدة في حينها، وما أكثر القضايا المستجدة في عالم السياسة، إلا أن القضية التي سيثيرها العراقيون في هذه المحطة، وهي الأهم في تقديري، هي إحياء حلمهم القديم المتمثل في طلب استئجار جزيرة بوبيان لمدة تسعة وتسعين عاما، بحجة افتقار العراق لمنفذ بحري عميق على الخليج العربي، وهو طلب حرصت أكثر من حكومة عراقية على تحقيقه منذ العام 1963، عام سقوط نظام رئيسهم عبدالكريم قاسم المطالب بكامل الأراضي الكويتية وإلحاقها بالعراق بحجة دعاوى تاريخية متهافتة ومتهاوية، وهو العام الذي شهد أيضا توقيع اتفاق مشترك بيننا وبينهم بتاريخ 4 أكتوبر 1963، في عهد رئيسهم عبدالسلام عارف الذي جاء للحكم على أنقاض حكم سلفه عبدالكريم قاسم، وقضى الاتفاق المشترك الاعتراف باستقلال الكويت وبسيادتها على حدودها كما جاء في كتاب رئيس مجلس الوزراء العراقي بتاريخ 21 يوليو 1932، وبالمناسبة فإن اتفاق 1963 المبرم بيننا وبين العراقيين يتضمن اعترافاً في كتاب رئيس وزرائهم في العام 1932، كان الأساس الذي استند اليه قرار مجلس الأمن رقم ( 833 ) في ترسيم الحدود المشتركة بيننا وبين العراقيين برا وبحرا.

إلا أن الحكومات العراقية المتعاقبة فشلت في تحقيق مطلب استئجار جزيرة بوبيان، بسبب وجود قناعة راسخة طيلة تلك الفترة - لدى حكامنا المتعاقبين (رحمهم الله) ولدى معاونيهم من مسؤولين كبار، سواء كانوا من أبناء الأسرة أو من أبناء الشعب (رحم الله موتاهم، وأمد الله في أعمار الأحياء منهم)، بأن العراقيين غير صادقين على الإطلاق في الهدف من قصة استئجار جزيرة بوبيان، وأن هدفهم ليس كما يقولون ويعلنون عن حاجتهم لوجود منفذ بحري عميق على الخليج العربي، بل ان هدفهم هو إيجاد موطئ قدم لهم على أرض كويتية استراتيجية كجزيرة بوبيان، وأنه ما أن يتحقق لهم ذلك الهدف، فإنهم يعلمون أنه لا أحد يمكنه أن يخرجهم من الجزيرة، تحت مبررات عديدة سيشهرونها في حينه، وفي ظل موازين قوى هي المرجحة لغلبتهم دوما في أي فترة زمنية كانت بسبب اتساع رقعتهم الجغرافية وتفوق عدد سكانهم، ووجود المخزون النفطي الهائل لديهم.

وتحت هذا المطلب الكبير الذي سيلحّون على تقديمه في كل فترة من فترات المحطة الثانية، الذي سيلاقي معارضة شديدة من جانبنا نحن الكويتيين للأسباب الذي ذكرناها أعلاه، سيحاول العراقيون تمرير أو تحقيق مطالب أخرى لهم أقل من الناحية الاستراتيجية من مطلب استئجار جزيرة بوبيان، وسيظهرون للرأي العام العربي تحديدا أنهم الضحية من جار صغير وغني يحاول أن laquo;يخنقهمraquo; برفضه تأجير جزيرة بوبيان لهم، ولنتذكر أن هذا سيتم في السنوات المقبلة، وفيها حتما ستكون أوضاع العراقيين أفضل بكثير مما هم عليه الآن من كل النواحي، وبالتالي سنشهد ظهور حملات إعلامية منظمة في الفضاء المفتوح، وسيكون من الصعب علينا مجاراة افتراءاتهم، كما كانت عليه الحال أيام نظام المقبور صدام حسين وحتى لحظة سقوطه.

وستطول مدة هذه المحطة، لأنها ستمكنهم من تعليق ملف ترسيم الحدود أطول مدة ممكنة، إلى حين أن تتهيأ لهم ظروف الانقضاض على الكويت مجددا لاسمح الله - ليحققوا بذلك هدفهم الثالث والآخير من تعليق هذا الملف.