سيد أحمد الخضر


كثيرون سرتهم مغادرة بوش الابن البيت الأبيض، فالرجل الذي يحلو للبعض وصفه بالمعتوه سياسياً له تاريخ دموي فاشل؛ حيث خاض حربين كان في غنى عنهما وغادر الرئاسة دون أن يحرز أي تقدم في ميدان المعركة ناهيك عن النصر، كما عرّى زيف قيم الولايات المتحدة فقتل الأطفال وشرد الناس وأقام السجون السرية وشرع التعذيب، ويتذكر الجميع أن أيامه الأخيرة كانت قحطاً على الولايات المتحدة ليترك القوة العظمى تائهة اقتصاديا، وارتفعت نسبة البطالة في أرض الأحلام فذهب الملايين من الأميركيين للعيش على قارعة الطريق.
لكن الثابت في السياسة هو التحول، وغالبا ما تكتشف حسنات القادة وحكمتهم بعد مغادرتهم دوائر القرار، طبعا لا نقصد القادة العرب لأن حكمتهم تنتهي بالوفاة، ولعل هذا ما حصل للجميع مع بوش فالرصيد الزمني المستهلك من حكم باراك أوباما أكد أن بوش مَثل الرئيس الأميركي الذي يستطيع قيادة العالم ويستمع له العالم وهو أكثر قبولا لدى حلفاء أميركا وأكثر هيبة في نظر أعدائها، فإذا ما أعدنا النظر في الواقع العربي نجد أن الرئيس الأميركي كان يتقاطع مع محور الاعتدال في معظم القضايا الاستراتيجية في نظر الفريقين على الأقل. لقد كان بوش يصف بعض الدول بالمارقة ويصنفها في محور الشر، الموقف الذي ظل مرتكزا ومرجعا تستند إليه دول الاعتدال في تعاطيها مع ملفات المنطقة وتستقوي به على إيران وسوريا ومن دار في فلكهما من حماس وحزب الله، فمواقف الرئيس الأميركي دعمت نفوذ المحور الوديع في الشرق الأوسط، وفعلا استطاعت تلك الدول عزل سوريا لبضع سنين، وخلقت وضعا لبنانيا جديدا وأرغمت حماس إلى حد ما على التعاطي مع قادة السعودية والأردن ومصر. كان بوش جاداً في محاسبة سوريا ومتفهما لخطر الهلال الشيعي الذي طالما حذر منه قادة تلك الدول، ولم يتوان في وضع حركات المقاومة على قائمة الإرهاب الغربية. في المقابل نجد أن أوباما أخفق في التعاطي مع شؤون الشرق الأوسط من ناحيتين: الأولى محاولته الانفتاح على إيران وسوريا الأمر الذي اعتبره الأميركيون عفواً عن عناصر شريرة لم تتب عن رعايتها للإرهاب وتهديد مصالح أميركا في الشرق الأوسط، كما رأى فيه العرب المعتدلون نكرانا لجميل قدموه لأميركا فكان عليها أن تمكن لهم في الشرق الأوسط على حساب الممانعين، أما الناحية الثانية فتتمثل في أن الرئيس الأميركي الجديد لا يعطي توجيهات أو أوامر laquo;واضحةraquo; لقادة دول الشرق الأوسط خلافا لأسلافه من سادة البيت الأبيض، لذلك نرى شبه تمرد على الإدارة الأميركية حتى في صفوف المخلصين فقد أصبح مألوفا أن تهدد حركة فتح بالانسحاب من مفاوضات ترعاها الإدارة الأميركية! وهذا عين ما تأخذه إسرائيل على أوباما كونه غير قادر حتى الحين على إقناع العرب بالمضي في كل ما يقرره اليمين الإسرائيلي. إنه في نظر إسرائيل رئيس ضعيف وغير قادر على تدليل الدولة العبرية رغم أنه التزم بحمايتها من أي خطر. والأهم من هذا كله هو أن باراك أوباما أصبح أكثر سوءاً من سلفه في نظر الأميركيين، فبوش الذي جرهم إلى حربين وأورثهم الفقر وعداوة الشعوب لا يشك أحد في ولائه لأميركا وليس له تاريخ خارج الولايات المتحدة قد يدنس بشرته الناصعة، بينما يصر %25 من الأميركيين على أن باراك أوباما مسلم ملتزم وربما أخرج زكاة الفطر لكنه يعبد ربه سراً وهذا خطر على مصالح أميركا في الشرق الأوسط، وقد لا يتوقف الأميركيون عند هذه التهمة فأصول الرجل قد ترجح هجرته إلى laquo;بيدوَاraquo; ليلتحق بصفوف حركة مجاهدي الصومال ولكن ليس قبل أن ينهي مأموريته.
إذن يبدو أن التاريخ أنصف بوشاً على عجل، فكان رحيله كارثة على العرب وبكته إسرائيل وتعلق به الأميركيون، لقد تبين أنه محبوب الجميع.