عبدالله خليفة الشايجي

عرّف المفكر الأميركي جوزيف ناي القوة الناعمة بأنها قوة الدولة على quot;الجذب والإقناعquot;؛ فهي بعكس القوة الصلبة أو الخشنة، quot;تنبع من جاذبية وقبول ثقافتها ومواقفها وإنجازاتها كمثال يُحتذىquot;. وعندما تكون الدولة صغيرة وتفتقر للقوة الصلبة (العسكرية)، كحال دولنا في المنطقة -ومنها الكويت- فإنها تعول أكثر على القوة الناعمة لتعويض النقص في قدراتها العسكرية، لاسيما أننا في إقليم بالغ التعقيد. ولطالما تمتعت دولنا بقوة ناعمة تمحورت حول الطاقة والاستثمار جعلت منها لاعباً مؤثراً، حتى أصبحنا في الخليج مركز العالم العربي وقلبه، وتحولنا إلى المصنع والمستشفى والجامعة والمشغل والمضمد، وحلال المشاكل والوسيط والممول، إضافة إلى دورنا في قطاعات السياحة والتجارة والترفيه والرياضة والتسوق.

وإذا تحدثنا عن الكويت التي سبقت شقيقاتها الخليجيات في مجال التنمية والتطور السياسي، والتي ستحتفل الشهر القادم باليوبيل الذهبي لاستقلالها الناجز عن بريطانيا والذكرى العشرين لتحريرها من احتلال قوات صدام حسين، فسنلاحظ تراجع تلك القوة الناعمة؛ قوة المثال والقدوة التي كانت من أبرز الإنجازات الكويتية.


فقد كانت الكويت صاحبة السبق في مجال المشاركة السياسية والانتخابات، وصاحبة أول دستور مكتوب في المنطقة، وفي مجال التنمية ودعم الدول العربية عبر أول صندوق تنمية عربي. كما كانت موطن واحدة من أولى الجامعات في المنطقة، وقد تعلم فيها كبار المسؤولين الكويتيين والخليجيين، كما أنشأت الكويت أول مستشفى في المنطقة، وأول محطة إذاعية وتلفزيونية، وكانت خطوطها الجوية من أوائل شركات الطيران الخليجية. هذا إضافة إلى إنجازاتها في التربية والرياضة، وفي العمل النقابي والصحافة والإعلام والمسرح.
لكن قوة الكويت الناعمة تعرضت لضربة قاصمة من القوة الخشنة لنظام صدام حسين قبل عشرين عاماً، فتراجعت ووصل الصراع بين الحكومة والبرلمان إلى العظم، وبرز مشككون بنموذج الديمقراطية الكويتية لما أفرزه من احتقانات.

كما تراجع حضور الإعلام الكويتي الرسمي، وخاصة تلفزيون الكويت، واكتسحت الساحة السياسية والإعلامية من قبل الإعلام الخاص وما يثيره من اصطفاف يضر بالنسيج الاجتماعي والتماسك الوطني. وأتى مؤخراً تعرض بعض أعضاء مجلس الأمة للضرب على أيدي القوات الخاصة وإغلاق مكتب قناة quot;الجزيرةquot;، ليُثخنا جراح الكويتيين.

وبينما تشهد دول مجلس التعاون الخليجي مزيداً من التقدم في مجالات التنمية وجذب الاستثمارات وتعرف الكثير من الفعاليات السياسية والنشاطات الثقافية والفنية والرياضية، وتتوسع شركات طيرانها... نرى في الكويت مراوحةً وتعثراً وصراعاً وغياباً للمستثمر الأجنبي. وقد أتى قرار الخطوط الجوية الكويتية بوقف خمس من طائراتها السبعة عشر عن العمل، بناء على طلب الشركة المصنعة، ليؤكد تراجع النموذج الكويتي في شتى المجالات.

لقد أصبحت المواجهات بين الحكومة والبرلمان خبزنا اليومي، والكل يتساءل حالياً ما إذا كانت الحكومة ستعبر مطبة الاستجواب الثامن، أم ستستقيل للمرة السادسة، أم سيُحل مجلس الأمة للمرة السابعة؟ المراوحة القاتلة تعيق التنمية وتزيد من المشككين بجدوى خمسين عاماً من الديمقراطية والمشاركة السياسية.

لكن في المقابل تملك الكويت رصيداً كبيراً من الإنجازات وشعباً طموحاً ومثقفاً. وكل ما تحتاجه هو تضافر الجهود وتوحيد الصف ونبذ الخلاف بين القوى السياسية والاتفاق على الأولويات لتبني على إنجازاتها وتستعيد قوتها الناعمة. فهل تنجح الكويت في ذلك؟ إنه التحدي الحقيقي في العام الجديد!