يوسف الكويليت

نسبة ضئيلة عربياً وإسلامياً من تهتم برحلة عام وعودة آخر، إلا دول الكثرة المسيحية أو من عاشت هذه الأعياد أثناء مرحلة الاستعمار، فصار احتفالهم تقليداً عاماً يؤخذ بمناسبته كشكل لصدى ما أفرزته تلك الثقافة، وأبقت أسسها قائمة في دولنا الشرقية والمغربية..

هو عام عادي تكثر فيه الاحتفالات الباذخة وقراء الكفوف، والنفاثّات في العقد ومروجو الخرافة الذين يقرؤون سعد الشخصيات الشهيرة ممن على حافة الموت وممن سيقفز للنجومية، كل ضاربات الودع يقرأن أفلاك الكرة الأرضية عواصفها وأنواءها، وهو موسم تكبر فيه جيوب صناع الخرافة الذين يصدقهم العلماء والأدباء والزعماء ونجوم المسارح والأفلام..

العالم المتقدم يقوم بمراجعة تامة للمكاسب والخسائر لرسم الخطط عليها، وقطعاً أهم مشكلة عصفت بالعام الماضي الانهيار المالي، وهو لم يقع بسبب نبوءة بصار، وإنما بسبب عوامل تراكمت فحملت الانفجار الكبير، وحتى مسائل التلوث والجوع والأوبئة، هي في خدمة تلك الدول لأنها المبتكر والمصنع وباعت فوائضها من تلك الصناعات لأسواق العالم المتخلف..

عربنا المقلدون يركبون قطار التفوق بالمشاركة في هذه الاحتفالات وهي صيغة تجميلية تشي بالخروج من التخلف إلى المشاركة في هذه الاحتفالات العالمية، وبصرف النظر عن أي تفسير آخر باعتبار أي خيار يأخذه الإنسان، وبدون أضرار تقع على غيره، يعد سلوكاً شخصياً لا يحاسب عليه طالما القضية محاكاة لا سلوك راسخ..

وكأي عام جديد يجد أي راصد للأحداث وما أكثر تعقيداتها في محيطنا العربي من يتنبأ على هوى (ثقافاته) بزوال إسرائيل، لكن على ماذا يبني هذا الأمر؟ يرجعك إلى تدهور أمريكا، مع الاحتفاظ بأن هذا لا يصل إلى حال الانهيار، لكنه الكذب على الذات، فإذا أردنا تحجيم إسرائيل قبل زوالها، علينا رفع مستوى دخل الفرد في كل الوطن العربي، بما يوازي نصف دخل مواطنها، حتى نصدق أننا توازنّا بالقوة والفعل، والحرية أيضاً..

آخر يعتقد بسيادة القاعدة لأنها حصيلة بشرى رآها قادتها وأن جهادها سيعم العالم لتسلم كل القارات ويعود الإسلام كونياً لابؤراً موزعة على القارات، وهو حلم تطغى عليه العاطفة قبل المنطق، وأسلوب من المغريات الغيبية، وثالث يشترك مع بقية بصاري العالم بنهاية الكون، إما بتصادم الأفلاك مع الكرة الأرضية، أو حلول أوبئة لا تقاومها الأدوية، أو أن المخزون النووي في كل الدول التي تحتكر هذه القدرات سوف ينفجر نتيجة ظروف تغيب عن عقول العلماء وكل الاحتياطات التي تتخذها تلك الدول، وهو إنذار ليوم القيامة..

كل يسبح بنهره الجاف، لكن هذه السحب لا تغطي سماء الصين، ولا أوروبا وأمريكا، ولا توقف عجلة البحث والسباق لما بعد الحداثة واكتشاف العالم السرمدي، لكنها صورتنا نستعيدها في حالة اليأس ونصدقها، بينما التحدي لا تصنعه تنبؤات مروجي الخرافة بل من يصلون عبر قنوات العقول إلى فك طلاسم المجهول وتحويله إلى إنجاز علمي يضيف للحضارة بنداً جديداً وثراءً دائماً..