لندن

في مقالتي هنا في شهر أيار، تحت عنوان 'هل سوريا مختلفة؟'، افترضت في تردد ان مصير النظام في سوريا سيكون مختلفا عن جاراتها. وأزالت الاشهر الاخيرة التردد من قلبي، برغم الرأي الصلب الموحد للساسة ووسائل الاعلام والجمهور في البلاد وفي الغرب. في كل يوم وعلى مدى اشهر طويلة تُسمع تحليلات وصيغ مصحوبة بمناكفات ومشاجرات كلامية فوق كل منصة في اسرائيل والغرب والبلاد العربية. ولا ينبع هذا من فهم بل من كراهية. فالكراهية تعمي كما ان الحب يجعلك تدافع عن المحبوب أما الواقع فهو بين بين.
ان بشار الاسد في تقديري سيجتاز التمرد في بلاده، واذا لم يفعل هو شخصيا فان نظامه سيفعل.
ان سر قوة النظام في سوريا هو العلمانية المعادية للتدين التي تربط بين العلويين والنصارى والدروز والسنيين العلمانيين. وهؤلاء الآخِرون الذين هم أكثر الشعب السوري يخشون امكانية سيطرة اسلام متطرف لا يضر بقيمهم الليبرالية والعصرية فحسب بل بالحياة اليومية ايضا، من النقاب والجعة والنبيذ والمرأة التي تقود السيارة والتي تلبس كما في باريس، الى ختان النساء وأحكام الشريعة البربرية.
من هم المتمردون؟ هل سمعتم بمظاهرات طلبة جامعات أو اكاديميين، أو طبقة وسطى أو طبقة عليا في المدينتين الكبيرتين حلب أو دمشق؟ هل رأيتم دبابات تهاجم الجامعات أو الميادين في هاتين المدينتين الكبيرتين؟ ان المتظاهرين والمتمردين يأتون في احيان متباعدة من الأحياء الفقيرة في ضواحي دمشق ومن منطقتين واضحتين على نحو عام: من المدينتين المتدينتين التوأمين حماة وحمص اللتين يُذكر اسماهما كل يوم فوق أمواج الأثير ومن مناطق الضواحي المهملة من درعا في الجنوب الى دير الزور في الشمال. في حماة وحمص مئات الآلاف من نسل عشرة الآلاف الذين قتلهم حافظ الاسد قبل ثلاثين سنة، يخرجون للانتقام للقتلى. لينتقموا وليحققوا ما أراد اولئك القتلى تحقيقه، أي سوريا في سيطرة الاسلام الاصولي. وقد ثار الاسد الأب على هذا بكامل القسوة ويحاربه الابن بقسوة.
انتظرت نصف سنة، متهيئا لتغيير رأيي، لو سمعت بدبابات واطلاق نار وتمرد مسلح في حلب وفي مركز دمشق. لو ان هذا بلغ الى هناك لانهارت وحدة الطبقة المثقفة التي تؤيد بشار لكن لم يحدث هذا ولا بعض منه.
ان أكثر بنية الشعب السوري وعدده ايضا يؤيدون العلمانية المقاتلة واستقرار السلطة، عن تجربتهم من الفترة التي سبقت الاسد وبسبب ما سمعته آذانهم عن الثورة العربية في العالم حولهم.
كتبت 'بنيته' ـ والقصد الى الجزء المثقف والمتقدم والعصري من الشعب. يجب علينا ان نميز في العالم العربي بين بنية كل شعب وعدده. انظروا ماذا يحدث في مصر، ان أكثر عدد الشعب يريد الاسلام. وفي كل بلد عربي تُعطى فيه الجموع حرية الاختيار تختار الاخوان المسلمين أو من هم أكثر تطرفا منهم من جهة دينية. من الجزائر وتونس الى مصر وفلسطين. فقد تولت حماس زمام السلطة بانتخابات ديمقراطية حرة، لا مشايعة لقيم الديمقراطية.
هل ستكون الامور مختلفة في سوريا؟ اذا سقط النظام فسيكون هرج ومرج ينتهي الى أسلمة هي خطر علينا بقدر لا يقل عن خطرها على العلويين والنصارى. ومن هنا فان استنتاجي هو ان نظام الاسد لن يسقط وان هذا غير سيء لليهود. ليس جيدا لكنه ليس سيئا ايضا قياسا بما أو بمن سيأتي مكانه.
ان النظام العلماني في سوريا، برغم سفك الدماء القاسي بما يشبه ليبيا والعراق يتعرض لهجوم لم يسبق له مثيل من الجامعة العربية وقوى الغرب، وهو يُدفع (على أيدينا ايضا) الى ذراعي خامنئي وبوتين اللتين تحتضنانه احتضان دب.
لن يفاجئني ألا يتحقق تقديري. فالمنطق والسياسة لا يتماشيان فكيف في ايام ثورة. حاول اردوغان منذ وقت ليس بالبعيد ان يكون وسيطا عادلا بين الاسد وبيننا. ومنذ زمن ليس بالبعيد ايضا رأينا برلسكوني والقذافي يحضن بعضهما بعضا.
وعندي طلب آخر الامر: كفوا عن الحديث عن الربيع العربي فليس هذا ربيعا ولا بطيخا. بل الثورة العربية التي أتمت عاما.

يديعوت 29/12/2011