أحمد عبد الملك
سقط النظام في مصر بعد تنحي مبارك عن الحكم وتولي الجيش شؤون الحكم لحين تشكيل سلطة منتخبة ديمقراطيّاً؛ في بلد ظل يعاني كثيراً من آثار قبضة العسكر على شؤون البلاد، وتدهور الاقتصاد، وانتشار المحسوبية والفساد. وحسب مجلة quot;فورين بوليسيquot; فإن أخطاء النظام التسعة هي التي أدت إلى الثورة والإطاحة به وهي: إخفاقه في توزيع ثروة الاقتصاد. وسماحه بانتشار الفساد. وافتقاده للرؤية. وقيامه بإصلاحات فاترة. ثم إعداده للتوريث. وسوء تقييمه لقدرة الناشطين. ومبالغته في خداع الناس. وإرساله الرعاع وquot;البلطجيةquot;. وأخيراً إدخاله المقربين له والمحسوبين عليه في الحكم بعد الثورة.
والواقع أن تحت كل خطأ من تلك الأخطاء أسباباً وظواهر شتى تحتاج لدراسة طويلة. ولكننا في هذه الوقفة ينبغي أن نحذر من الأنظمة العربية، التي ترفع شعارات أنها جمهوريات ديمقراطية، ولكنها في الواقع فساد واستغلال وقهر للشعوب. وحتى إذا ما تحركت بعض هذه الدول ودفعت ببعض مظاهر الإصلاح، فإن كل المعاهدات والاتفاقيات مع الغرب أو الولايات المتحدة لن تفيد! ولكم في الثورتين الآخيرتين الشاهد الأمثل!
فمن كان يصدق أن تتخلى فرنسا عن تونس؟! وأن تتخلى الولايات المتحدة عن مصر؟! ومن كان يصدق أن يري ما اعتبروه الهرم الرابع يتهاوى على وقع حناجر الشباب الغض؟ تلك هي مشكلة بعض الأنظمة التي تسيء إدارة البلاد وتختصر التاريخ والجغرافيا وأقدار الناس.
إن ثروة البلدان هي ثروة الشعوب وليس من حق أحد أن يتصرف فيها كيفما شاء دون مواقفة الشعوب! وهذه رسالة واضحة! وإن ما حدث في مصر من تخلف اقتصادي وبنيوي واستثماري ما هو إلا نتيجة استيلاء عناصر مقربة من النظام على مقاليد الشأن المالي في ذلك البلد! وخصوصاً رموز الحزب الوطني الحاكم الذي لا يعترف بمجلس الشعب وغيره من المؤسسات الرقابية.
كما أن الخطأ الأول يؤدي إلى الخطأ الثاني! إذ أن استئثار حفنة من المقربين للنظام بالثروة يساهم في انتشار الفساد في كافة أوجه الحياة. ومن ثم يعاني المواطن العادي من تلك الظاهرة، لأنه غير قادر على مقارعة quot;القطط السمانquot;، خصوصاً إن كانوا يتمترسون وراء قوة الأمن ويكرسونها لخدمتهم.
أما قضية الرؤية، فهي المحك الرئيسي لهذه القضية! كثير من الأنظمة العربية لا تمتلك الرؤية التي تمكنها من رسم صور المستقبل. وبهذا تظل دائرة في شرنقتها التي تفصّلها الأجهزة الأمنية، وغالباً لا تكون تلك الدائرة حقيقية؛ فيعيش النظام حالماً مزهوّاً بالإعلام الذي يصفق له صباح مساء. ولذلك لا ينشغل برؤية، ولا بصور مآسي شعبه وضغوط الحياة اليومية، ولا تصله أخبار المستغلين والمستفيدين. ومن هنا فإن وضع رؤى لشكل الحكم وعلاقته بالشعب من أهم الأمور التي ينبغي أن تلتفت إليها النظم. ذلك أن ما حدث في مصر ليس انقلاباً عسكريّاً! بل هو ثورة حركها شباب متحفز للتجديد، قابل للتضحية بحياته من أجل تغيير واقعه الذي امتد لثلاثين عاماً عانوا فيها. والرؤية هي التي تحدد ملامح الخطوات في كافة الميادين، ولابد لها من أن تعتمد على أفكار المجتمع المدني؛ وليس الخبراء الوافدين الذين غالباً ما يتجاهلون حقوق المواطنين.
أما الإصلاحات! فتلك قضية كبرى، ولقد شاهدت النظام وهو يعد بإصلاحات وتوفير فرص عمل للشباب والقضاء على الفساد وإصلاح التعليم، وتنشيط الصناعة والزراعة! وخلال ثلاثين عاماً لم يتحقق أي من تلك الوعود التي ظل يكررها! وهذا ما أفقد الشعب المصداقية في النظام! فثار.
إن تأجيل الإصلاح في الوطن العربي يظل قنبلة موقوتة وقابلة للانفجار مع أول شرارة سواء كانت مثل شرارة (البوعزيزي) أم شرارة (وائل غنيم)! ولذلك يستوجب الأمر أن تجلس الأنظمة مع شعوبها المنادية بمجتمع مدني، وتقوم بتعديل القوانين التي تجترئ على حقوق الناس سواء كان ذلك الحق في الحياة والعمل والتنقل أو التجمهر وإبداء الرأي! وتعمل على تحقيق العدالة والكرامة الإنسانية للشعوب، لا أن تسخر أجهزتها الأمنية في ترويع الآمنين والحجر على آرائهم والتلصص على أسرارهم وخصوصياتهم. وهنالك قوانين في بعض الدول العربية تتعارض مع المواثيق الدولية ومبادئ العيش الكريم للإنسان، لابد أن تتعدل.
إن موضوع خداع الناس قضية قائمة ما زالت لدى بعض الأنظمة! ولا نعلم لماذا يعتقد النظام أن العقل كله لديه، وكأنه ليست للشعوب عقول تفكر بها! ولماذا يقوم النظام بصياغة عقله حسب نظرية البقاء للأقوى، وليس البقاء للأصلح! والخداع وسيلة قميئة ولا تناسب العصر. إذ أن سقوط ورقة التوت عن النظام المصري، وقبله التونسي، أوضح بجلاء أن خداع السلطة لا يدوم وإن طال!. وأن الأجدر بالأنظمة هو أن تمارس الشفافية، وتجبر أجهزتها التنفيذية على تطبيقها على الجميع دونما تفرقة بين أبناء البلد الواحد.
وإذا كان الحدث المصري (الثورة) قد أطاح بالرئيس، فإن ذات الحدث قد قطع الطريق على التوريث الذي كان يخطط له. وهذا ما أسدل الستار على قضية التوريث في أكثر من نظام عربي (جمهوري)! بل إن بعض الحكام قطعوا على أنفسهم عهداً بعدم الترشح لفترة رئاسية قادمة!
لقد فشل النظام المصري في تعامله مع ثورة الشباب وتعامل معها تعامله مع المهربين وقطاع الطرق، فقام بإدخال quot;البلطجيةquot; والرعاع بين الشباب الشرفا، ناهيك عن استخدامه الرصاص ضد الشباب المطالب بحق من حقوقه. وكل هذه الأخطاء زادت من عزيمة الشباب وأظهرت عجز ووهن النظام.
التعليقات