خيرالله خيرالله

ما الذي لدى إيران- الجمهورية الاسلامية تصدره إلى جيرانها باستثناء استخدام المذهبية والتطرف والسلاح لإخضاع دول اخرى او إثارة القلاقل فيها او إقامة دويلات داخل الدول الاخرى. باسم quot;تصدير الثورةquot;، صارت هناك دويلة إيرانية في لبنان. وباسم quot;تصدير الثورةquot;، هناك مشروع دولة إيرانية في اليمن على حدود السعودية. وباسم quot;تصدير الثورةquot;، ثمة محاولة للاستيلاء على الدولة في البحرين استكمالا لعملية وضع اليد على جزء من العراق واستكمال عملية تطويق السعودية. سبق للعراق ان قاوم quot;تصدير الثورةquot; ايام صدّام حسين الذي خاض مع إيران حربا استمرت ثماني سنوات لم يعرف يوما انه كان يجب الاّ يخوضها. ولكن ما العمل مع نظام عائلي- تسلطي ذهب ضحية الشعارات التي رفعها ولعب، من حيث لا يدري، لعبة تصب في خدمة النظام الايراني الجديد. فعل ذلك عندما اندفعت القوات العراقية في العام 1980 اتجاه الاراضي الايرانية في وقت كان النظام الذي اقامه آية الله الخميني في حاجة ماسة إلى لمّ الايرانيين حوله عبر استثارة الشعور الوطني، اي العصبية الفارسية التي تكن احتقارا لا مثيل له لكل ما هو عربي...
قدّم صدّام حسين، بسبب غبائه السياسي المعهود، افضل خدمة للايرانيين. لم يدر يوما انه وفّر شريان الحياة للنظام الجديد في طهران الذي كان في امسّ الحاجة إلى العصبية الفارسية. كان صدّام يخطط لنهايته ونهاية نظامه بيديه بعدما عجز عن فهم لماذا quot;انتصرquot; في الحرب على ايران ومن مكّنه من تحقيق هذا quot;الانتصارquot; الذي تحقق في العام 1988. بعد ذلك، تولى بنفسه حفر القبر لنظامه عندما اقدم على مغامرته المجنونة المتمثلة في احتلال الكويت...
استهدف قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بمبادرة من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، ايجاد مظلة للدول الست الاعضاء في المجلس تحميها من ايران والعراق في آن. كان ذلك قبل ثلاثين عاما عندما اجتمع زعماء الدول الست في ابو ظبي واعلنوا قيام المجلس. الآن، بعد ثلاثين عاما من انشاء المجلس، يتبين كم ان الحاجة اليه كبيرة، بل ملحّة. فالمجلس استطاع ان يكون تجمعا مسالما لا يستخدم انيابه الاّ عندما تدعو الحاجة إلى ذلك. الدليل على ذلك، انه يكتفي، دوريا، بتأكيد موقفه المعروف والثابت من الاحتلال الايراني للجزر الاماراتية الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى. هذه الجزر احتلت في العام 1971 في ايام الشاه وتشكل مثلا صارخا على وجود سياسة إيرانية مستمرة تقوم على التوسع وانه لم يتغيّر شيء مع انتصار quot;الثورة الاسلاميةquot; في العام 1979. احتل نظام الشاه الجزر ورفض التفاوض في شأنها. لا تزال quot;الجمهورية الاسلاميةquot; تتبع السياسة نفسها. لم تحد عنها قيد انملة. الفارق الاساسي بين نظام الشاه والنظام الحالي يكمن في استخدام الدين وسيلة للتوسع من جهة واثارة الغرائز داخل المجتمعات العربية من جهة اخرى.
ما فعله مجلس التعاون لدول الخليج العربية، عندما تدخل في البحرين بهدف وضع حدّ للتهديد الذي تتعرض له دولة عربية عبر quot;التدخل الإيراني السافرquot; في شؤونها الداخلية، يعتبر دفاعا مشروعا عن النفس ليس الاّ. لماذا لم تعترض إيران في العام 1991 عندما تدخلت دول مجلس التعاون عسكريا إلى جانب المجتمع الدولي، على راسه الولايات المتحدة، اثر تعرّض الكويت لغزو عراقي؟ وقتذاك، عندما دعا صدّام حسين في رسالة إلى الرئيس هاشمي رفسنجاني ايران إلى الانضمام اليه في مواجهة quot;الشيطان الاكبرquot;، كان رد رفسنجاني على المبعوثين العراقيين اللذين حملا الرسالة اليه وهما طارق عزيز والمرحوم برزان التكريتي:quot; سنترك لكم شرف مواجهة الشيطان الاكبر في الكويت وحدكمquot;.
حسنا، اتخذت إيران موقفا عاقلا من حرب تحرير الكويت التي ارادها الكويتيون اوّلا وغطاها المجتمع الدولي تغطية كاملة عن طريق مجلس الامن. ولكن ماذا عن الحرب الاميركية على العراق في العام 2003؟ لماذا كانت إيران الدولة الوحيدة في المنطقة التي ايدت الاجتياح الاميركي للعراق وساندته ووفرت التسهيلات التي احتاج اليها الاميركيون في غزوتهم؟ الم تكن القوات التي دخلت بغداد والمدن والمناطق العراقية الاخرى quot;قوات اجنبيةquot;؟ لماذا الحملة الآن على دول مجلس التعاون بسبب موقفها الحكيم من البحرين؟
اخيرا، استفاق الخليجيون. فاتهم انه كان عليهم ان يأخذوا موقفا واضحا وموحّدا من التدخل الايراني في الشؤون الداخلية للدول العربية باكرا. فاتهم انه كانت هناك خطة إيرانية مبرمجة هدفها إنهاء الوجود العربي في لبنان. هل هناك من يتذكّر من احرق السفارتين السعودية والمغربية في بيروت منتصف الثمانينات من القرن الماضي؟
في البدء كان لبنان. لم يتخذ العرب، خصوصا اهل الخليج، موقفا واضحا من الوجود الايراني في لبنان. رضخوا له إلى حدّ كبير. من المهم، في ضوء ما تشهده البحرين، ان يكون هناك موقف خليجي موحد من الخطر الإيراني. من المهم الاّ يبقى الموقف الحاسم من هذا الخطر محصورا بالبحرين. ان الوضع في اليمن، على سبيل المثال وليس الحصر لا يقل خطورة عن الوضع في البحرين. اضافة إلى ذلك، يتبين يوميا ان لا سياسة خليجية موحدة من العراق المطلوب استيعابه عربيا بدل تركه فريسة لإيران تعبث بمجتمعه عن طريق إثارة الغرائز المذهبية. صحيح ان إيران دولة جارة وان لا مفرّ من التعاطي معها. لكن الصحيح ايضا ان للجيرة قواعدها. من اهم القواعد الاحترام المتبادل والحد الادنى من الحياء والخفر... والتواضع!