سعد السعيدي

التجنيس أصبح ورقة سياسية، وبفضل هذه الورقة أضحت المواطنة في بلادنا مرتبطة بالجنسية وحامليها، وهو بالطبع ما يخالف الكثير من التعريفات للمواطنة والقوانين الحقوقية الإنسانية التي ترى في المواطنة وعاء أكبر وأشمل من الجنسية، وإلا لما كان في الدول خونة وجواسيس وعملاء، لو ارتبطت المواطنة التي تعني الولاء بالجنسية التي في كثير من الدول تمنح لأسباب قد نتفق أو نختلف حولها.
في الكويت وبقية دول الخليج، هناك من آثار ويثير ما بين فترة وأخرى قضية التجنيس، ففي الوقت الذي تعتبره الدولة حقاً سيادياً لا ينازعها عليه أحد، أي أن الجنسية هي من اختصاصات الحكومة تجود بها لمن تريد وتمنعه عمن تبغض أو تكره، والقاعدة التي تقول على المتضرر اللجوء للقضاء، ليس لها مكان في قضية التجنيس، فانقلبت لتكون على المتضرر اللجوء والركون إلى الصمت حتى ترضى عنهم الحكومة، وبالطبع الكويت ليست استثناء بل قد تكون أخف وطأة من كثير من الدول لكن باعتبار أن أرضها تضم أكبر شريحة من البدون هو ما يميزها أو جعلها في دائرة حقوق الإنسان التي كثيرا ما تنتقدها في معالجة هذا الملف الحساس والذي اختلط فيه الحابل بالنابل، بسبب الإجراءات الحكومية واعتمادها على الزمن ليقوم بحل القضية، بعد أن ألقت على كاهله قضية البدون، لكن الزمن لم يقف في صف الحكومة بل تركها تترعرع وتكبر لتتعقد خيوطها وتتشابك، الأمر الذي جعل فك تشابكها لم يعد بالأمر الهين، والمعالجات والحلول الترقيعية التي تنتهجها الحكومة لن تؤدي إلى حل جذري لقضية حان موعد اتخاذ قرارات جريئة تقضي عليها وإلى الأبد.
ليست قضية البدون هي القضية الوحيدة التي تؤرق المجتمع الخليجي والكويت على وجه أخص، بل هناك أيضا قضية الوافدين الذين قضوا سنوات طويلة من أعمارهم في بلادنا الخليجية، الأمر الذي جعل قضيتهم قد، وهنا أؤكد على كلمة قد، تشكل هاجسا آخر عليهم باعتبار أن العالم يطالب بتجنيسهم في المكان الذي عملوا وعاشوا فيه، بل خلفوا أولادا وقد يكون لبعضهم أحفاد، والخشية من أن يأتي الحل من الخارج حين يفرض على دول الخليج توطين هؤلاء الوافدين، نظرا لعدم وضوح أو وجود رؤية لحل هذه القضية التي ستتفاقم في يوم الأيام وستنفجر في الأرض الخليجية باعتبار أن السكان الخليجيين يشكلون نسبةً إلى الوافدين أقل من %35.
لعله من المحزن أن تتجه بعض الأصوات إلى لوم الحكومات لاتخاذها تجنيس المواطنين في بداية نشأتها، باعتبار أن ذلك التجنيس، وفقا لرؤية البعض، كان وبالا على المجتمع والدولة اللذين لم يتشكلا في الأصل، وأن ذلك التجنيس كان موجها ضد الحركات الوطنية، ووسيلة حكومية للتحالف مع المجنس ndash;إن جازت لنا التسميةndash; لأجل وأد المطالبات الوطنية، وحتى لا نكتب طلاسم لا يفهمها القارئ، فإن الصديق والزميل العزيز أنور الرشيد وهو الأمين العام لمظلة العمل الكويتي (معك) والمنسق العام لمنتدى المجتمع المدني الخليجي، كتب الفقرة التالية في مقالته الأخيرة التي نشرت في منتدى حوار الخليج: laquo;التجنيس السياسي مررنا به إبان فترة ستينيات القرن الماضي عندما كانت المعارضة بأوجها، ولكي تواجهها الأسرة الحاكمة جنست أعدادا كبيرة من سكان بادية الشام والعراق والسعودية، وقلبت المعادلة، ولكنها اليوم تدفع ثمن هذا الجنون الذي مورس بذلك الوقتraquo; انتهت فقرة الكاتب، وليسمح لنا الصديق الرشيد أن نتساءل من بوابة هذه الفقرة، فإذا ما افترضنا أن ما كتبه كان بالفعل موجها ضد المعارضة، فأين الجنون وأين الثمن، لاسيَّما وأننا نشهد الآن ndash;وأظننا لا نختلفndash; أن من يرفع لواء المعارضة في بلدنا هم أبناء القبائل، الذين تغمز في فقرتك بأنهم مجنسون ولا أقول مرتزقة، فكيف يستوي ذلك، ثم لماذا برأيك انتقلت المعارضة إلى أبناء القبائل إن كانوا ممن تحالفت معهم الحكومة لضرب الوطنيين، ولماذا انكفأ أبناء الداخل كما يرى المراقبون واستبدلوا مكانهم في المعارضة -قياسا على تلك الفقرة- بالتحالف مع الحكومة، وأيضا أيها الصديق هل تعتقد بأنهم غير كويتيين، وبالتالي لا يحق لهم المعارضة أو رفع الصوت أمام الحكومة إلى يوم الدين، ولماذا سقط سكان بادية أو شواطئ إيران من المقالة، أم كانوا معارضين آنذاك ووطنيين، وكيف هو الحل برأيك لقضية البدون، أرجو أن لا يكون رميهم في البحر هو الحل الأمثل!!
التجنيس الذي كان في فترة الستينيات ليس سياسيا أبدا، أو لضرب المعارضة كما يروج له، بل كان لاعتبارات أخرى مرتبطة باستقلال الدولة في تلك الفترة، ولا مجال للخوض فيه، فقد أثبتت الأيام ولاء أبناء الكويت حاضرة وبادية شيعة وسنة إبان الاحتلال العراقي لدولة الكويت عام 1990، ومن يشكك في ولاء ووطنية ومواطنة جميع فئات المجتمع الكويتي الذي يمثل صمام أمان لاستقراره مخطئ، وقراءاته ليست صائبة، والجنسية في النهاية ليست هي الولاء أو تعني حب الأرض وإلا لشهدنا عملاء وخونة كويتيين، أو عودة للمجنسين إلى بلادهم أو باديتهم سواء أكانت شمالا أو غربا أو ما وراء البحر.
إن التجنيس في الكويت ودول الخليج يجب أن يكون سريعا، ليقضي على صداع دام فترة طويلة وهو يؤلم الشعوب قبل الحكومات، وفي ظل هذا الحراك السريع الذي تشهده أوطاننا، فإنني أعتقد بأن تجنيس بعض المقيمين العرب وتوطينهم لاسيَّما الذين قضوا زهرة أعمارهم بل دفن بعضهم في الخليج، ليس منكرا وإلا لما اتبعته دول كبرى على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، وقد يكون في تجنيسهم إمكانية الاستفادة من علومهم وخبراتهم التي ستنفع مجتمعاتنا الذي ينقصه الكثير من الخبراء في مختلف المجالات، وحتى لا نضيف أو نخلق في بلادنا قضية أخرى قد تكون أشد تعقيدا من قضية البدون.
التوقف أمام وصف هؤلاء بأن جذورهم من هنا وأولئك بأن جذورهم من هناك، ليس في الواقع سوى نظرة عنصرية مقيتة، هي من تؤخر المجتمعات ولا تقدمها، وهي التي نقف حجر عثرة أمام صهر شرائح المجتمع في بعضها البعض ليشكلوا نسيجا وطنيا واحدا للدولة.