يعقوب أحمد الشراح

لن يختلف أحد أن في الاتحاد قوة، وان الانفراد ضعف، وربما زوال الضعيف إذا ما توافرت الظروف المناسبة المؤدية إلى الهلاك في عالم يبحث عن التنافس والريادة وتعزيز عناصر القوة في كل شيء. فكما يقول العالم laquo;داروينraquo; في كتابه أصل الأنواع laquo;ان البقاء للأصلح، وأن القوة من شروط استمرارية الحياة في الكائنات الحية، فلا تستطيع أن تعيش الكائنات غير القادرة على التكيف والدفاع عن نفسهاraquo;، نقول ذلك بعد أن جاء النظام العالمي الجديد ليؤكد على مبدأ الاتحاد بين الدول وأهمية التآلف والتوحد والتعاون من أجل تشكيل جبهة صلبة قادرة على التغيير والتطوير. فالدولة كالكائن قد تكون قوية أو ضعيفة، وعادة تتجمع الكائنات بحسب أنواعها لكي تدافع عن حياتها مثلما تسعى الدول أيضاً للاتحاد لكي تكون قادرة على حماية نفسها. ولعل أقرب مثال أمامنا الاتحاد الأوروبي الذي جعل له حكومة ورئيساً ومجلساً استشاريا لإدارة مصالح دول أعضائه حيث ان هذه الدول اتحدت في كيان واحد، وأصبحت تشكل قوة تعمل كخلية واحدة من أجل مصالحها.
دول الخليج العربي تشكل منظومة متجانسة على المستويات التاريخية والسكانية والجغرافية والسياسية وغيرها، تمتعت بخصائص لم تتوافر لا في الاتحاد الأوروبي ولا في اتحادات أخرى بعد أن مرت بتجربة طويلة حاملة لواء laquo;التعاون الخليجيraquo; الذي يحتاج إلى نقلة إلى مفهوم الاتحاد الذي يصب في مصلحة شعوب المنطقة بتطبيق الاندماج والسعي لرفع مستويات المعيشة، والمساهمة في حماية الدول أمام أي تهديد داخلي أو خارجي يتربص بأي دولة خليجية والتي من السهل أن تبتلعها دول مجاورة تشكل مصدر تهديد دائم لها. فما حدث عند احتلال الكويت من العراق مثال صارخ على قلق شعوب الخليج من مستقبلها واحتمالات العدوان عليها.
ان مفهوم laquo;التعاون الخليجيraquo; في الاطار الاستراتيجي والتطبيقي هو مفهوم محدود لم يعد يرقى اليوم إلى مستوى المسؤوليات الجسيمة التي تواجهها دول المنطقة، خصوصا بعد حدوث ما يسمى بـ laquo;الثورات العربيةraquo;، وحالات الفوضى السائدة في المجتمعات العربية الناتجة من هذه الثورات، وحدوث أزمات متفاقمة تتمثل في زيادة البطالة وانفلات الأمن، وتزايد التدخلات الخارجية في شؤون الدولة الداخلية، واستمرار التقاتل الداخلي وسفك دماء الأبرياء نتيجة استخدام السلاح كما يلاحظ هذه الأيام في بعض دولنا العربية. ان أي حالة لا استقرار أو تدخلات في الشؤون الداخلية لأي دولة من دول مجلس التعاون الخليجي إنما تعني انعكاسات كارثية ليس على الدول ذاتها فقط، وإنما سيتأثر العالم الذي يعتمد على الدول الخليجية في حصوله على موارد الطاقة من النفط ومشتقاته.
لذلك نجد أن طلب خادم الحرمين الشريفين في افتتاح قمة قادة الخليج الأخيرة في الرياض بضرورة تجاوز مفهوم laquo;التعاون الخليجيraquo; إلى laquo;الاتحاد الخليجيraquo; هو مطلب استراتيجي يعكس الحكمة والرؤية الصائبة تجاه مستقبل دول الخليج الذي أصبح حاجته الأمنية اليوم كبيرة في ظروف دولية مضطربة. فلقد شهدت الدول الخليجية في السنوات الأخيرة تدخلات خارجية في شؤونها، ولعل أحداث البحرين دليل واضح على حجم ونوعية التدخلات الخارجية، وكذلك تدخلات الإرهابيين الموالين لتنظيمات سياسية سواء في العراق أو في اليمن.
لا شك ان الاتفاق على الاتحاد يعتبر من الأهداف والمرامي المهمة، لكنه يحتاج إلى ترجمة عملية واجراءات مدروسة وعاجلة من أجل ضبط ايقاعات الاضطرابات الداخلية، ومنع نشوء الأزمات المتوقعة في المستقبل، واتاحة المجال لحدوث استقرار دائم يؤدي إلى تحقيق تنمية كاملة.