خيرالله خيرالله


المؤسف ان الموقف الروسي في مجلس الأمن التابع للامم المتحدة لا يصبّ بأي شكل في خدمة الشعب السوري. كلّ ما يمكن ان يؤدي اليه هذا الموقف هو اطالة معاناة الشعب السوري الذي يتوق الى الحرية والكرامة والخروج من براثن نظام عائلي- بعثي لا هدف له سوى استعباد الشعب وتسخيره في خدمة مجموعة حاكمة غير قادرة على تصوّر نفسها خارج السلطة.
ما يدعو للاسف اكثر من ذلك، ان المندوب الروسي في مجلس الأمن لم يجد ما يقوله ردا على الخطاب السخيف الذي ألقاه المندوب السوري الذي يبدو واضحا انه لا يفهم شيئا في الموضوع السوري ويصرّ في الوقت ذاته على استغباء العرب والعالم في آن. كلّ ما فعله المندوب الروسي هو استكمال حفلة الدجل التي احياها المندوب السوري!
بلغ الجهل بالمندوب السوري استشهاده بقصيدة لنزار قبّاني عن دمشق. هل يعرف هذا الموظف السوري شيئا عن نزار قبّاني ام ان كلّ ما في الامر انه اراد المتاجرة بالشاعر الكبير الراحل الذي عاش كلّ حياته في المنفى هربا من النظام السوري ومن بطش الرئيس الراحل حافظ الاسد؟ اين انت يا نزار قبّاني لترد على ممثل لنظام لم يرحم اي سوري يمتلك حدا ادنى من الشعور الانساني والحسّ الحضاري من امثالك، من امثال الذين فضّلوا الغربة على الذلّ وكلّ انواع القهر...
لو كان المندوب السوري يعرف القليل عن نزار قبّاني لكان تذكّر ان نزار قبّاني توفي في لندن وليس في دمشق، وان وجوده في العاصمة البريطانية عائد اولا واخيرا الى انه عاشق حقيقي لدمشق وانه كان يرفض العيش فيها حياة الذليل الغريب عن وطنه.
اراد المندوب السوري المتاجرة بنزار قبّاني ودمشق مثلما اراد المتاجرة مرة اخرى بالفلسطينيين وقضيتهم. هل يعرف المندوب ان عدد الفلسطينيين الذين قتلوا على يد النظام السوري بشكل مباشر او غير مباشر يزيد كثيرا على عدد الفلسطينيين الذين قتلتهم اسرائيل؟
لم تقتصر مساعي المندوب السوري على المتاجرة بدمشق وبنزار قبّاني وبالفلسطينيين وقضيتهم. اراد تربيحا جميلا للبنانيين الذين لجأوا الى سورية في اثناء حرب صيف العام 2006. نسي حتى كيف اندلعت تلك الحرب ومن وراء افتعالها. فات المندوب السوري ان laquo;حزب اللهraquo; الايراني كان وراء تلك الحرب عندما خطف جنودا اسرائيليين من خلف ما يسمّى laquo;الخط الازرقraquo; الذي تعتبره الامم المتحدة خط وقف النار بين لبنان واسرائيل.
هل كان هناك عاقل يستطيع تجاهل العلاقة العضوية بين النظام السوري وlaquo;حزب اللهraquo;؟ هل هناك شخص يمتلك حدا ادنى من المنطق لا يستطيع التكهن برد فعل دولة تمارس الارهاب اسمها اسرائيل في حال مهاجمة جنود لها خلف laquo;الخط الازرقraquo;؟
بدل التباكي على اللبنانيين وتمنينهم بما قدمته لهم سورية في صيف العام 2006، كان الأجدر بمندوب النظام لدى الامم المتحدة امتلاك حد ادنى من الشجاعة كي يعتذر من لبنان واللبنانيين والقول ان واجب سورية في تلك المرحلة كان يتمثّل في منع laquo;حزب اللهraquo; من الإقدام على مغامرة غير محسوبة ادت الى تدمير جزء من البنية التحتية اللبنانية ومقتل مئات اللبنانيين وجرح الآلاف...
تكمن مشكلة روسيا في انها لا تزال قادرة على دعم مثل هذا النوع من الانظمة. تبدو روسيا في العام 2012، بعد عشرين عاما بالتمام والكمال من انهيار الاتحاد السوفياتي رسميا، وكأنها لم تتعلّم شيئا من التجارب التي مرّت بها القوة العظمى الثانية في العالم طوال الاعوام الخمسة والسبعين التي عاشتها. لم تتعلّم خصوصا ان قمع الشعوب لا يمكن ان يؤدي الى نتيجة وان ليس صحيحا ان في الامكان إلغاء شعب من الشعوب عن طريق الحلول الامنية. لو كان ذلك صحيحا لما كانت بولندا عادت الى البولنديين او هنغاريا الى الهنغار او بلغاريا الى البلغار.
في النهاية، لا بدّ من التساؤل، هل تريد روسيا توريط النظام السوري في مزيد من القمع بسبب حسابات خاصة بها؟ قد يكون الجواب عن هذا السؤال ان روسيا ربما تعتقد أن اوان المساومة على النظام السوري لم يحن بعد وان لا مانع من الانتظار بعض الوقت ما دام ثمن الانتظار يدفعه الشعب السوري من لحمه الحي ودمه الغالي...
في كلّ الاحوال، كلّ ما فعله الاتحاد السوفياتي هو توريط العرب في حروب عادت عليهم بالويلات. لو لم يكن الامر كذلك، لكان حال دون اندلاع حرب العام 1967 التي ادّت الى احتلال اسرائيل للضفة الغربية والقدس الشرقية والجولان وسيناء. هل كان الاتحاد السوفياتي من الغباء الى درجة انه لا يدرك مسبقا النتائج التي كان يمكن ان تترتب على مثل هذه الحرب؟
لو كان الاتحاد السوفياتي صادقا مع العرب، لكان نصح جمال عبدالناصر بتفادي اي نوع من التصعيد الذي دفعه اليه النظام السوري وقتذاك. ولكن يبدو ان الهمّ الوحيد للاتحاد السوفياتي في تلك المرحلة كان يتمثل في اضعاف العرب، كي يصبحوا أكثر فأكثر تحت رحمته في لعبة اقتسام النفوذ بينه وبين الولايات المتحدة. هل يمكن تسمية مثل هذا التصرف بغير كلمة الانتهازية؟ ما الفائدة من هذا النوع من الانتهازية تمارسها موسكو في السنة 2012؟ أوليس ذلك دليلا على قصر نظر لا اكثر؟ ما الفائدة من الوقوف مع نظام مرفوض من شعبه وخسارة العرب كلّ العرب؟
تغيّرت امور كثيرة ولم تتغيّر الذهنية في موسكو التي تصرّ في السنة 2012 على زيادة عذابات السوريين واطالتها غير مدركة ان النظام الذي تدعمه انتهى وان من الافضل لها ابقاء جسر تواصل مع الشعب السوري البطل. نسيت موسكو ان البقاء للشعوب وليس للانظمة. لو لم يكن الامر كذلك، لما سقط الاتحاد السوفياتي يوما...