محمود الريماوي
&
بعد مضي نحو أحد عشر أسبوعاً على بدء التحالف الإقليمي/الدولي حملة الضربات الجوية على تنظيم "داعش" الإرهابي في مدينة عين العرب (كوباني) السورية، فإن أية نتائج ملموسة لم تظهر بعد لهذه الحملة . المسؤولون الأميركيون يطلقون أسبوعياً تصريحات متضاربة حول تقدم بطيء وآخر ملموس للحملة على المدينة التي يدافع عنها أبناؤها السوريون الأكراد مع قوات للبيشمركة الوافدة من كردستان العراق، ومشاركة لقوات من "الجيش السوري الحر".
&
من الواضح أن التقديرات الأميركية والغربية كانت تدور حول بضعة أسابيع تستغرقها عملية المقاتلات الجوية الحديثة في هذه المدينة بالذات التي نزح عنها أغلبية سكانها باتجاه الأراضي التركية . فلما ثبت خطأ هذه التقديرات ومع إدراك وجود هذا التنظيم في مناطق أخرى في سوريا والعراق، فقد أخذ الحديث الغربي والأميركي بالذات يجري عن ثلاث سنوات قد تستغرقها هذه العملية لاستهداف التنظيم واستئصال شأفته .&
&
وإذ يحسب للمقاتلين الأكراد بسالتهم في الدفاع عن مدينتهم أمام تنظيم دخيل ومتوحش، فإنه يخشى أن تتحول الضربات الجوية مع الوقت إلى قصة فشل في إنقاذ هذه المدينة، حيث لم تعد الأخبار الواردة منها تثير الفضول الإعلامي وذلك بسبب مراوحتها بين التقدم والجمود .
&
المقاتلون الأكراد الذين يدافعون عن مدينتهم ، يمثلون نموذجاً للمواجهة البرية مع التنظيم الإرهابي . ويستذكر المرء هنا أن هؤلاء طلبوا دعماً من أبناء جلدتهم في تركيا لكن أنقرة رفضت الاستجابة لهذا الطلب وسمحت بدلاً من ذلك بعبور دفعات من قوات البيشمركة إلى عين العرب، وهو ما حدث على مراحل منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي . ويتقاسم هؤلاء وهم الأخبر بتضاريس مدينتهم، مع عصابات "داعش" السيطرة على مناطق المدينة، فيما يسود غموض حول ما يحدث داخلها بسبب تعذر وصول مراسلين إلى قلب المدينة في أجواء اشتداد القصف الجوي للتحالف واستمرار المواجهات الميدانية على الأرض في المدينة التي تقع على الحدود التركية .&
&
ومن الملاحظ في هذه الغضون أن مؤتمر التحالف الدولي الذي التأم الثلاثاء الماضي في بروكسل لم يتطرق في بيانه إلى تطوير الجهد العسكري باتجاه استخدام قوات برية في الحملة على التنظيم في سوريا ، فيما ترفض حكومة حيدر العبادي في بغداد استقدام قوات برية بينما ترشح معلومات من مصادر عديدة عن مشاركة إيرانية برية في الحملة على "داعش" في العراق الذي يسيطر على الموصل منذ أغسطس/آب الماضي كما يبسط سيطرته على مدينتي تكريت والفلوجة . . ومع ذلك فإن فرص مجابهة التنظيم في العراق تظل أفضل مما هي عليه في سوريا . ففي بلاد الرافدين هناك درجة من التوحد الشعبي والسياسي في مواجهة هذه العصابات، حيث تحظى هذه المواجهة بالأولوية على الأجندات السياسية لأغلبية الفرقاء . أما في سوريا فإن الوضع على درجة كبيرة من التعقيد، فبينما نجح هذا التنظيم في حمل النظام والمعارضة معاً على مواجهته وقتاله في مناطق مختلفة، إلا أن التنظيم نجح في بسط سيطرته على معظم أنحاء دير الزور شرقي البلاد وما زال يحتفظ بمدينة الرقة كمركز رئيسي له . فيما ينشط تنظيم "جبهة النصرة" في مناطق أخرى بما فيها على الحدود مع لبنان، ويقترب هذا التنظيم تارة من "داعش" وتارة يبتعد عنه، وكذلك الأمر في علاقته مع كتائب عديدة من المعارضة المسلحة . فيما تتوالى المواجهات فصولاً بين النظام والمعارضة في أغلبية أنحاء البلاد وبعيداً عن إيقاع المواجهة مع "داعش" .
&
لكل ما تقدم يكتنف تعقيد الوضع في سوريا، الذي تتكاثر فيه الجبهات والمواجهات وعمليات الكر والفر في سائر المناطق، باستثناء منطقة الساحل في شمال غرب البلاد، وهو ما يتيح ل"داعش" التسلل والاختراق والتموضع في العديد من المناطق بعد نجاحها منذ أواسط العام الماضي في السيطرة على مدينة الرقة شمال شرق البلاد، ومن الملاحظ أن ضربات التحالف لم تشمل الرقة بعد إلا بالنزر اليسير، فيما سعى الطيران السوري لقصف المدينة أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لكنه تسبب في سقوط أعداد كبيرة من المدنيين فاقت المئة . فيما يتغلغل "داعش" في مدينة دير الزور ويحاول اختراق مطارها العسكري .
هذه جوانب من تعقيد الوضع الميداني على الأرض، التي يستفيد منها التنظيم الإرهابي، والتي تدعم في المحصلة وجوده في عين العرب الكردية . والحديث عن قوات برية لمواجهة التنظيم صحيح نظرياً، لكنه يحتاج إلى حل سياسي يؤطره بحيث تؤدي هذه القوات دورها في مواجهة "داعش" وحماية السكان وإنقاذ البلاد التي تتوفر على ما يزيد على مئة ميليشيا تقاتل مع النظام، وتقاتل ضده وتأخذ في طريقها المدنيين . . وهذه الميليشيات والجماعات المسلحة تتقاتل ما بينها وبعضها يقاتل "داعش" .