الياس الديري

كيف يمكن إعراب جملة ناقصة، كيف يمكن تفسير حدث بحجم زلازل "متواصلة" تدك دول المنطقة؟ هكذا نبدأ: أخيراً لاح في أفق المنطقة العربيَّة، الغارقة في دمائها ودمارها، خيال راعٍ، وخيال أمل، وخيال حلّ، ستتولى الأيام المقبلة كشف بنوده وتفاصيله، إذا ما صدقت الاستنتاجات والتحليلات الفورية لزيارة الرئيس بشار الأسد المفاجئة لموسكو.

بديهي أن يسارع الخبراء والمخضرمون الى التبحُّر في صور الزيارة وحركات كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأسد، ثم الدخول في تفسير كل كلمة قيلت شفهيَّاً أو خطيّاً حول الزيارة وأسبابها ونتائجها.

والبديهي أكثر أن يسارع كثيرون الى الاعلان أن الزيارة لم تكن بنت ساعتها، بل كانت موضع دراسة وأخذٍ وردٍ طوال أيام وساعات، الى أن أثمرت وأوتيت النتائج المرجوَّة منها.

وهنا، عند هذه النقطة بالذات أعطى بعضهم كل المجالات للاستنتاجات والتفسيرات التي تدور في فلك المصير الشخصي للرئيس الأسد، مع ترجيح كفّة منحه فرصة إتمام الحلول السياسية والمصالحات مع أفرقاء المعارضة، ثم الدخول في عملية إنتاج المخارج المناسبة. وربما كان "اتفاق الطائف" الذي أنهى الحروب في لبنان هو القدوة، أو النموذج.

خصوصاً أنَّ دول العالم بأسرها، وفي مقدمها أميركا، قد أخذت علماً ودرساً وتأكيداً أن لا معالجات ولا اتفاقات بالسيف والرمح والمقلاع والسوخوي لحروب المنطقة وأزماتها المتداخلة.

فاللجوء إلى الباب السياسي، وطاولة الحوار والتفاوض، هما المدخل الملائم والفعَّال للتوصل الى الحلول المطلوبة سلمياً، والمنتظرة على أكثر من جبهة، وفي أكثر من بلد عربي.

وتحديداً في سوريا والعراق واليمن وليبيا.

أما على الصعيد اللبناني، فإن "العدوى" ستنتقل إليه بسرعة فائقة، في حال مغادرة الوضع السوري ساحات الوغى الى الحوار.

اليوم وغداً، ولأيام وأسابيع ستكون هذه الزيارة بكل تفاصيلها، وما رافقها من كلام وابتسامات وتمتمات وهمسات وهزّ رأس أو يدين، موضع تحليل وتبصير وكشف بالمجهر الكبير، الى أن تبدأ الترجمة على أرض الواقع.

إما بالتمسك باستعمال السيف والترس والسوخوي، وإما بالترديد بصوت مرتفع وداعاً للسلاح وأهلاً بالتفاوض واللجوء الى الحلول التي تنتجها الحوارات والمناقشات والاقتراحات، وما الى ذلك.

الآن، وفي ضوء هذه الزيارة التي قيل قبلها وبعدها إن الأسد سيبارك التسوية ثم يمضي في سبيله، يمكن الالتفات جديّاً ومنذ هذه اللحظة الى الوضع اللبناني الداخلي... وابتداءً من منطقة الفراغ الرئاسي، وبعودة النواب الى ساحة النجمة والوزراء الى قاعة الاجتماعات في مبنى السرايا، وعودة الناس والبلد الى دورة الحياة الطبيعيَّة، ريثما تأتي ساعة الاستحقاق الرئاسي.

ولا ريب في أنها آتية.