رضوان السيد
منذ مقتل الرئيس رفيق الحريري عام 2005، وانسحاب الجيش السوري من لبنان في العام ذاته، اعتبر "حزب الله" نفسه وريثاً لنظام الغَلَبة السوري. وقد حاول الحزب الوصول للاستيلاء بعدة وسائل: أول هذه الوسائل الانتخابات النيابية عام 2005. وقد فشل في الحصول على الأكثرية فيها. ولذلك فقد التفت إلى الغَلَبة في الحكومة وعليها بعدة وسائل أيضاً: خروج الوزراء الشيعة جميعاً من الحكومة بحيث اعتبر نبيه بري رئيس مجلس النواب أنّ الحكومة ما عادت ميثاقية(!) رغم وجود أكثرية في مجلس النواب المنتَخَب داعمة للحكومة. وحسبْنا وقتها أنّ السبب في ذلك منع الحكومة من إقرار المحكمة الدولية لمحاكمة قَتَلَة الرئيس الحريري. وترجَّح لدينا هذا الظنّ بإقدام نبيه بري على إقفال مجلس النواب لثمانية عشر شهراً لمنْع الأكثرية من الاجتماع واتخاذ أي قرار بما في ذلك إقرار الموازنة، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد انقضاء التمديد للجنرال لحود الذي أرغم عليه السوريون عام 2004.
وعندما تعذّر عليهم إسقاط الحكومة، عمدوا لاحتلال بيروت بالسلاح بعد محاصرة السراي الحكومي لعامٍ ونصف العام. وهو الاحتلال الذي شاركت فيه إلى جانب ميليشيا الحزب ميليشيات نبيه بري والحزب السوري القومي وميليشيات أصغَر بعضُها لسياسيين سنة "ودروز"، زودهم الحزب بالسلاح والمال. ومعروفٌ ما حصل بعد ذلك. فقد ذهب الجميع للدوحة بقطَر، وجرى اتفاق سياسي وأمني (يشبه اتفاق السلم والشراكة الذي أرغم الحوثيون الرئيس هادي والأحزاب اليمنية عليه بعد احتلال صنعاء في سبتمبر عام 2014!). وفي ظلّ هذا الاتفاق جرى انتخاب رئيس توافقي للجمهورية هو الجنرال ميشال سليمان قائد الجيش يومذاك، وجرت انتخاباتٌ نيابية في ظل قانونٍ مفروضٍ ومع ذلك فإنّ الحزب والجنرال عون انهزموا مرةً أُخرى!
&
تدخَّل الملك عبدالله بن عبدالعزيز بعد الانتخابات للإصلاح بين السُنة والنظام السوري. وجاء الملك الراحل إلى لبنان وعقد محادثاتٍ مع سائر الفرقاء، وطمأن اللبنانيين إلى أنّ المملكة لن تتركهم. وقد ظننّا وقتَها مرةً أخرى أنّ سبب المهادنة التي أظهرها الحزب وبشار الأسد، خوفهم من قُرب صدور القرار الاتهامي من جانب المحكمة الدولية. وقد أعلن آل الحريري من جانبهم أنهم عهدوا للمحكمة بإحقاق العدالة، وأنّ الموقف السياسيَّ لن يتغير أياً كان المتهمون. ثم صدر قرار المحكمة بالفعل وتضمن توجيه الاتهام لأربعةٍ من "حزب الله" باغتيال رفيق الحريري (صاروا فيما بعد خمسة). وبالفعل؛ فإنه بمجرد شيوع الأنباء عن القرار (من خلال مجلة دير شبيجل الألمانية)؛ فإنّ نصر الله انقلب على اتفاق الدوحة عَلَناً، كما انقلب على الحكومة التي كان سعد الحريري قد شكلها استناداً لفوزه في انتخابات 2009. وما توقف الأمر عند هذا الحدّ. إذ إنه بسبب تغير موقف الحليف وليد جنبلاط؛ فإنّ الحزب والنظام السوري والجنرال عون تمكنوا من إقالة الرئيس سعد الحريري، وتشكيل حكومة برئاسة نجيب ميقاتي شريك الرئيس الأسد في شركات الاتصالات.
وخلال السنوات الثلاث (على وجه التقريب)، والتي حكم فيها الحزب وحلفاؤه بمفردهم، جرى إكمال السيطرة على سائر مؤسسات الدولة: وزارات الداخلية والخارجية والدفاع، والمالية، والمطار، والمرفأ، والتلفزيون الرسمي اللبناني، ومعظم التلفزيونات الخاصة. ورغم هذه السيطرة شبه المطلقة فقد استمرت الاغتيالات لأولئك الذين يعتبرهم الحزب والأسد خطِرين عليه. كانت الاغتيالات ومحاولاتها قد بدأت عام 2004، وذهب ضحيتها بعد الحريري عشرات السياسيين ورجالات الثقافة والإعلام المعارضين للأسد ونصر الله. وكانت تتوقف في فترات عندما يكون هناك تفاوض وحوار، ثم تعود عندما ينقطع الحوار أو يحدث ما يعتبره نصر الله تمرداً. ولذلك وخلال حكومة ميقاتي جرى اغتيال اللواء وسام الحسن رئيس فرع المعلومات بقوى الأمن الداخلي وأخيراً السياسي البارز بتيار "المستقبل" الوزير محمد شطح! وخلال حكومة ميقاتي أيضاً وأيضاً تدخل "حزب الله" في سوريل لمساعدة الأسد. عندما كان "حزب الله" وتيار "المستقبل" يخوضان «حواراً عميقاً» لتخفيف الاحتقان المذهبي، ومحاولة الاتفاق على رئيس جديد للجمهورية، هو غائبٌ منذ عام! انطلقت «عاصفة الحزم» لإنقاذ اليمن والوضع العربي العام، وهاج الأمين العام للحزب وماج، وهاجم المملكة بشدة، واستخدم كلَّ وسيلةٍ للإزعاج، ومن ذلك التلفزيون الرسمي الذي يسيطر عليه منذ أعوام. إنه مسارٌ للحزب في لبنان، وتُجاه العرب، بدأ قبل العام 2005، ومن ضمنه قرار اغتيال الرئيس الحريري: فما هي المسؤوليات فيما كان بلبنان وعليه؟ وإلى أين تمضي البلاد؟ لا أعتقد أن علينا الاكتفاء بانتظار التاريخ والمؤرخين!
&
التعليقات