الياس الديري

من قديم الزمان، ومن العادات المألوفة لدى تأليف الحكومات أن تستهلك العملية وقتاً إضافياً، وتستوجب اجتماعات، وتدخُّل وسطاء وأصحاب مساع حميدة في سبيل تذليل عقبات توزيع الحقائب، وخصوصاً تلك التي تتسم بطابع خاص من الأهميَّة.


في ذلك الحين لم تكن هناك وزارات "سياديَّة"، منها من يبيض ذهباً، ومنها البقرات الحلوب أيضاً. بل كانت الحكومات حكومات بكل معنى الكلمة، وكان الوزراء وزراءً يستقيل بعضهم احتجاجاً على مخالفة للقانون هنا، أو محاولة لمد اليد الى الأموال العامة أو الأملاك العامة أو المصلحة العامة، من هناك.


قياساً بالمتغيّرات المتعدِّدة التي طرأت على الديموقراطية البرلمانيَّة، يمكن القول إنَّ لا مفارقات جديدة أو مستحدثة "هجمت" على عملية تأليف الحكومة الأولى في عهد الرئيس ميشال عون.
حتى الآنسة، أو السيدة "سياديّة"، لا تُعتَبر غريبة، أو دخيلة على "أسلوب التأليف" إلاّ أن خوف الناس وقلقهم وشوقهم الى الحياة الطبيعيَّة في ظل دولة مكتملة العدَّة ومؤسّساتها عادت الى طبيعتها. هذا العامل يجعل عملية التأليف تواجه صعوبات جمَّة، يحاول الرئيس سعد الحريري بالتعاون مع الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه برّي معالجتها بالتي هي أحسن...
صحيح أن انتخاب رئيس جديد، ملأ وجوده الفراغ في المنصب وفي القصر كما في البلاد، أدخل بعض الراحة والطمأنينة الى النفوس، إلا أنَّ القرقعة التي أحدثتها "السياديَّة" وأخوات إن ولكن وليت ولعلَّ لخبطت مزاج الناس ومزاج البلد...
أسئلة بالجملة تنهمر متساءلة مستفهمة عما إذا كان في الدقِّ علَّة مفاجئة، أو "إنّ"، أو محاولة خفيَّة تتعمّد العرقلة عن سابق تصوّر وتصميم، ولأسباب تتصل بـ"السياديَّة" من جهة، وبقانون الانتخاب من جهة أخرى.
كما أن تقول راحت السكرة وجاءت الفكرة. أو أن فريقاً سياسيّاً ندم، أو يريد أن يملي شروطاً لا تتوافر نتائجها إلا من طريق العرقلة، أو طلب لبن العصفور. ما إن ودعنا الفراغ الرئاسي، حتى أطلَّت علينا مسألة "السياديّة" التي لم تكن في بال أو خاطر.


البعض لا يقتنع أن عملية التأليف تحتاج الى أخذ ورد، الى شروط عرقوبية وردود عليها بشروط أوسع نطاقاً، حتى لا يتردَّد نواب وسياسيون في التساؤل ماذا عدا مما بدا؟ كل فريق يتعمشق بـ"سيادية". واذا القصة بأكملها هي قصة حصص و"حقوق" ومقارنات بين هذا "الفيلق" النيابي وذاك. وبين هذا العديد وذاك.


والجميع يدورون في فلك "السياديّة". والعرقلة والتأخير في التأليف وسببه "السياديّة". والأخذ والردّ. والوساطات، والمساعي الحميدة، تدور في هذا الفلك "السيادي" الذي لم يكن في الحسبان.
من هنا، ولهذه الأسباب الواضحة، وربما لغيرها مما لم يتضِّح بعد، يتأخَّر التأليف و"الزفَّة"، لكن الحكومة آتية بلا ريب.