علي نون

تقول (إذن) السياسات المعلنة والمرتقبة لدونالد ترامب الشيء ونقيضه، أكان على المستوى الأميركي الداخلي أم على مستوى العلاقات مع الخارج الأوروبي من جهة، والمتوسطي والآسيوي من جهة أخرى.

وهذا بطبيعة الحال عزيزي وقرّة عيني، ليس اكتشافاً يُعتدّ به، بقدر ما هو تكرار لما صار معروفاً ومعلوكاً وممضوغاً حتى الملل.. لكن ما يتصل من تلك السياسات، بشؤون المنطقة العربية والإسلامية، يجعل من علكها واجباً مصيرياً! وإن كان بلعها او بلع بعضها صعباً وشوكياً!

هذا رئيس يعد بالتصدي لإيران على خط مزدوج. واحد يتعلق بـ»إعادة النظر» بالاتفاق النووي (مع أن أوباما يقول إن ذلك صار صعباً بعد البدء بتنفيذه) وثان يتعلق بأدوارها وممارساتها (وأدواتها) الخارجية. لكن لا أحد يتجرأ حتى الآن على توقّع كيفية ذلك.

إعادة النظر بالاتفاق النووي في عُرف ترامب هو شأن يتصل بطبيعة نظام إيران وبأدوارها الخارجية. لا هو يقطع الصلة بين الأمرين ولا إيران تفعل ذلك.

لكن إذا كانت مقاربة «الاتفاق» سهلة بحكم صلاحيات الرئيس الأميركي، وسيطرة الجمهوريين على الكونغرس بمجلسيه، فإن مقاربة الأدوار الخارجية، خصوصاً في سوريا تبدو شديدة التعقيد: إيران تقاتل مع روسيا إلى جانب الأسد. أي أن ترامب يريد الفصل بين الحليفين! تماماً مثلما يريد اتفاق فيينا بين جون كيري وسيرغي لافروف، «الفصل» بين الجماعات «الإرهابية» والفصائل المعتدلة في المعارضة السورية في منطقة شرق حلب بداية، وفي عموم الجغرافيا القتالية ثانياً.

وبالتالي فإن التداخل بين مصالح موسكو وطهران في سوريا سيكون أمام أول وأخطر اختبار كبير، منذ بدء هذا الحلف على حساب الشعب السوري؟ وليس صعباً توقّع أين سيرسو خيار بوتين! كما ليس صعباً توقّع رد فعل الإيرانيين.

إيران تعتبر نفسها وتسوق أدوارها الخارجية راهناً، باعتبارها جزءاً من «الحرب على الإرهاب». لكن للرئيس الأميركي المنتخب رأياً آخر، وهو أن «إيران هي جزء من الإرهاب» وليس من الحرب عليه! وإذا كانت الصورة معقّدة في سوريا، فإنها ستكون أشد تعقيداً في العراق! يمكن الروسي أن يلعب دوراً لتخفيف حدة الإشكال في سوريا، لكن من سيفعل ذلك في العراق؟ أي أن المنطقة موعودة بحرائق إضافية. الجديد فيها هو أن واشنطن تريد أن تبقى بعيدة عنها (على نمط أداء أوباما)، لكن طهران ستحاول استدراجها.. تحت سقف عدم الاشتباك المباشر معها!

وذلك الاستدراج مسوّغاته قائمة، من خلال موضوع الاتفاق النووي، قبل «الوصول» إلى التناقضات المتأتية من الجغرافيا السورية والعراقية. وحسب العادة، فإن طهران ستعمد إلى حماية مصالحها أو ستحاول ذلك، من خلال المسّ بمصالح الآخرين، وإشعال الكثير من الحرائق في الجوار لإبقاء النار بعيدة عن كيانها الجغرافي! وهذا (أعزائي!) قد يعني ربما(!) عودة «الحرارة» إلى جبهة الجنوب اللبناني؟ أو تخريب جهود «التسوية» الممكنة في اليمن! أو الذهاب إلى مطارح وخيارات أبعد من ذلك؟!

لكن، لأن فوز ترامب كسر كل منطق معقول، ولأن هذه الدنيا تتقلّب بما يكسر كل يقين ويعطّل مفردات الحسم والجزم في القراءة والتحليل، فإن السؤال (الممكن) هو الآتي: هل ستستمر إيران في اعتماد خيارات المواجهة في الخارج ومع الخارج بما يعنيه ذلك من عودة إلى «المربع الأول»؟ أم أنها ستعتمد طريقاً آخر معاكساً بما يحد من خسائرها ويخفف من خسائر الآخرين، وبما يتلاءم في كل حال، مع منطق التاريخ والجغرافيا والانتماءات الكبرى ومصالح شعوب هذه المنطقة واستقرارها ورخائها وثرواتها وأرواح أبنائها؟