محمد كعوش

كل شيء على ما يرام ، والانتصارات تتوالى حسب الخطة المرسومة ، قوات البشمركة الكردية تتقدم باسرع وأسهل ما يمكن ، رافعة علم اقليم كردستان ، والحشد الشعبي يزحف بدباباته نحو تلعفر، بعدما حاصر الموصل من الغرب وقطّع كل الطرق ، يعني الزمن يعمل لصالح الحكومة العراقية ومن ناصرها ، ولكن ، في لحظة ما نسأل: اين الجيش العراقي ، وما هي مهماته في هذه المعركة، غير تصريحات الناطق الرسمي عن مراحل خطة التحرير؟!

في ضوء هذه التطورات المتسارعة، سؤال آخر يطرحه زمن القتال في وقت تتوالى فيه عمليات تحرير القرى والمدن: هل تنظيم داعش أكذوبة ، أم أنه خرافة غير موجودة في الواقع ، ننسج حولها الحكايات المرعبة ، أم أن الاعلام يبالغ في تغطية تفاصيل المواجهة ، ويوزع المرايا لتجميل صورة الانتصار في رحلته الطويلة التي لم تصل الى الموصل بعد ؟!

هذه التساؤلات والأسئلة مبعثها الارتباك الملموس في التغطية الاعلامية ، فمرة يقولون إن المواجهة تشتد في احياء الموصل الشرقية ، وأن القتال من بيت الى بيت ، ومرة اخرى ينتقل القتال الى قرية بعيدة عن المدينة ، وبعدها يعلن المصدر العسكري عن اقتراب قواته من الموصل ، ويعود ليعلن مصدر آخر أن الجيش اصبح على مشارف مطار الموصل. الحقيقة لا تزال غائبة ، كذلك الصورة، رغم وجود الكاميرا كشاهد أوحد ، ولكن هذه الكاميرا ( الشاهد ) تكشف لنا جانبا من صورة المشهد الأوسع ، لذلك لا نرى سوى حركة الدبابات والمسلحات وغبارها.. في بر الموصل وما حولها.

بالمقابل هناك حقيقة أخرى حتمية، هي أن تنظيم داعش يسير نحو حتفه بعدما صاغ هويته المشوهة، ورسم صورته اللاانسانية ، وكشف عن أهدافه المشبوهة، وخسر كل من حوله في بيئته الحاضنة، وهي العوامل التي حددت تاريخ نهايته التي لا مفر منها، والمكللة بالهزيمة الكاملة ، بحيث لن تقوم له قائمة بعد اليوم.

ولكن هزيمة تنظيم داعش لا تعني انتهاء الأزمة في العراق ، الا اذا تمت المصالحة الوطنية الشاملة، التي رفضها وما زال ، الفريق الذي استولى على السلطة باحزابه ومليشياته المسلحة. وهنا اعني المصالحة الحقيقية التي تضمن الاعتراف بالآخر ، وفتح باب لمشاركة كل مكونات الشعب العراقي في صياغة مستقبل البلاد.

ما نخشاه ، بعد تحرير الموصل ، هو الأصرار على بقاء الواقع العراقي على حاله بسبب التعصب والعناد والأحساس بالقوة ، أو الأستقواء بالدول الأقليمية المجاورة ، وهذا يعني بالتأكيد ان العراق سيعاني من ظهور تنظيمات متطرفة تتوالد تحت عناوين واسماء جديدة ، لأن تهميش الآخر ورفضه سيجدد ماساة الشعب العراقي ، وربما يقوده الى التقسيم العرقي والمذهبي لبلاد الرافدين.

وهناك جانب آخر من المشهد، يراه رئيس حكومة بغداد بوضوح ، وقد يقلقه في الحاضر والمستقبل، لذلك عليه اصطياد ما يقدمه الزمن من فرص تاريخية، لأن زمن القتال كشف له أن هناك قوى اقليمية ، وخصوصا تركيا ، تسعى الى التقاسم بعد تحرير الموصل ، وهناك من ينتظر فرصته ( كردستان العراق ) للتوسع وفرض حدود جديدة ضمن عملية ابتزاز تفرضها المعركة على الحكم المركزي في بغداد وتلزمه بالصمت الاجباري.

ولا شك أن حكومة بغداد ترصد باهتمام تفاصيل المشهد ، وتداعيات المعركة وتطوراتها، لأن الحرب على تنظيم داعش متشابكة ، ولها اطرافها الأخرى. فالجيش التركي الذي يقاتل الأكراد في سوريا، متحالف مع أكراد العراق ، كما حكومة انقرة ما زالت تدعم التنظيمات المسلحة في الشمالين السوري والعراقي ، وعينها على حلب والموصل. لذلك ارى أن معركة العراق طويلة طويلة، وعلى الحكومة المركزية ان تتصرف بوعي عراقي ، من أجل العراق.