&حسين مجدوبي&&

يعلن المغرب عن تغيير استراتيجي في دبلوماسيته بعد الضربات «غير المنتظرة» من حلفائه في الغرب، مثل واشنطن ولندن والاتحاد الأوروبي في قضية نزاع الصحراء. وترجم هذا التوجه بزيارة الملك محمد السادس إلى كل من الصين والهند وروسيا، لعقد اتفاقيات استراتيجية. ولكن يبقى التساؤل، هل هذه الدول تعتبر المغرب استراتيجيا لها مستقبلا؟

ومنذ عقود، تشكل الصحراء قضية رئيسية في دبلوماسية الرباط، وقد صيغت اتفاقيات وعقدت تحالفات تماشيا مع مدى موقف كل دولة من نزاع الصحراء ومدى تفهمها لمصالحه. ولا يمكن فصل الامتيازات التي تتمتع بها فرنسا اقتصاديا وسياسيا وثقافيا في المغرب بمعزل عن دعمها الدولي له في نزاع الصحراء. وبعد جمود طويل، بدأ نزاع الصحراء يشهد حلقات متتالية تشير إلى اقتراب فرض المنتظم الدولي حلا له، وقد يكون سنة 2019. وهذا الملف هو في يد الغرب وليس في يد الشرق، لأنه يقع في شمال أفريقيا التي تعد كلاسيكيا من مناطق النفوذ الغربي. وإن كان يرحب بالحكم الذاتي، فالغرب الأنكلوسكسوني، وأساسا بريطانيا والولايات المتحدة، يدعم تقرير المصير، ولا يعارض ظهور دولة جديدة في الصحراء. وهذا مرده إلى فلسفة الأنكلوسكسونيين الذين لا يعارضون تغيير الخرائط السياسية الدولية.

ويرغب المغرب الرهان على روسيا والصين، لأنهما لا ترغبان بتغيير الخرائط السياسية الدولية بسرعة، بل الحفاظ على هذه الخرائط لتفادي وقوع حالة من الفوضى. في الوقت ذاته، أبانت روسيا عن عدم التخلي عن شركائها الحقيقيين وقت الأزمات. والاتفاقيات التي وقعها المغرب مؤخرا مع روسيا والصين، رغم حمل طابع «الاستراتيجية» تبقى عادية للغاية. فقد وقع مع الولايات المتحدة سنة 2012 ما يعرف «بالحوار الإستراتيجي»، وهذا لم يمنع واشنطن عن التخلي عنه في ملف الصحراء. ووقع مع الاتحاد الأوروبي اتفاقية حسن الجوار التي تحمل في طياتها «عناصر استراتيجية» ولكن القضاء الأوروبي لم يتردد في إلغاء اتفاقية الزراعة خلال ديسمبر الماضي، ولم يمنع عددا من الدول الأوروبية بممارسة الضغط على حكومة الرباط في ملف الصحراء. ويحدث هذا مع شريك يشكل 70٪ من المبادلات الاقتصادية، تجارة واستثمارا مع المغرب. الاتفاقيات التي وقعها المغرب مع روسيا والصين عادية للغاية. ومقابل إسهاب مجموعة من المحللين المغاربة في إبراز الطابع الاستراتيجي للعلاقات مستقبلا، لا تولي الصحافة ولا مراكز التفكير الاستراتيجي في موسكو وبكين أي أهمية للعلاقات مع المغرب، ولم تصدر أي دراسات في هذا الشأن، ولم تتحدث صحافة البلدين عن أهمية المغرب. ولكن هذا لا ينفي اهتمام روسيا بالمغرب، ورغبتها في تحقيق هدف رئيسي غير معلن عنه، وهو الحصول على تسهيلات عسكرية في الشاطئ الأطلسي المغربي نحو قاعدة عسكرية مشتركة مستقبلا. فقد أعربت موسكو للرباط عن استعدادها لتطوير العلاقات إلى مستوى يتجاوز الاستراتيجي إلى جيوستراتيجي، وبرهنت على هذا التوجه عبر ما يلي:

في المقام الأول، أنقذت المغرب خلال أبريل 2013 من الولايات المتحدة التي حاولت تكليف قوات المينورسو بمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء.

في المقام الثاني، استقبلت الملك محمد السادس خلال مارس الماضي، رغم تعليق الملك زياراته إلى روسيا مرتين لأسباب سياسية مرتبطة بسوريا وسياسة الغرب تجاه موسكو بعد أزمة جزيرة القرم.

في المقام الثالث، إرادة روسيا بيع أسلحة متطورة إلى المغرب، بما فيها غواصة، رغم علاقاتها المتينة مع الجزائر، ثم إنشاء محطة نووية لتوليد الطاقة، علما بأن الغرب مازال يتماطل في تلبية طلب المغرب لإنشاء محطة نووية بسبب ضغط إسبانيا.

وتهدف روسيا إلى الحصول على تسهيلات عسكرية من المغرب، خاصة في الواجهة الأطلسية، وأساسا قاعدة مشتركة بين البلدين تكون محطة للسفن الحربية الروسية. وطلبت موسكو تسهيلات عسكرية من الرباط، لكن الأخيرة ترددت، مما حدا بموسكو إلى الحصول على تسهيلات من طرف إسبانيا. ورست في ميناء سبتة خلال الثلاث سنوات الأخيرة 51 قطعة حربية روسية، ما بين سفينة وغواصة وفرقاطة، علما بأن إسبانيا عضو في الحلف الأطلسي. قاعدة روسية في شواطئ المغرب أو على الأقل قاعدة مشتركة من السيناريوهات المقلقة إلى مستوى الرعب بالنسبة لبعض الدول الغربية، وهي من السيناريوهات الحاضرة لدى الأوساط العسكرية الغربية. تاريخيا، لم تنجح روسيا القيصرية أو السوفييتية، وحاليا في الحصول على منفذ على الأطلسي الذي شكلت ضفتيه مسرح التحولات العالمية خلال الثلاثة قرون الأخيرة. وتزداد أهميته حاليا رغم التوجه الأمريكي نحو الهادي، فواشنطن ترغب في إعادة بناء الغرب عبر اتفاقية التبادل التجاري الحر مع الاتحاد الأوروبي، ومن خلال الذراع الصاروخية التي توجد أحد ركائزها في قاعدة روتا عند المدخل الغربي لمضيق جبل طارق. وتنشر روسيا ومنذ سنتين سفنا حربية باستمرار بالقرب من المياه الإقليمية الشمالية للمغرب والجنوبية لإسبانيا لمراقبة الذراع الصاروخية في روتا، وتطمح لتسهيلات عسكرية من طرف المغرب.

ومن شأن قاعدة مشتركة في الساحل المغربي ذي الموقع الاستراتيجي أن تخلق الرعب لدى دولة أساسية في الغرب وهي بريطانيا، أكثر بكثير من إسبانيا والبرتغال وقد لا تقلق فرنسا، لأنها تعني الوجود الحربي الرسمي للروس في المحيط الأطلسي. وستزداد أهمية القرار/القاعدة أمام قناة نيكاراغوا التي تريدها الصين وروسيا بديلا لقناة بنما، وهي من القرارات التي ستحمل تأثيرات جيوسياسية مهمة مستقبلا. التفكير في قرار مثل هذا سيجعل الغرب يعيد النظر في ضغطه على المغرب في مختلف الملفات ومنها ملف الصحراء، نحو حل متفق عليه بدل حل مفروض، كما يخطط له حاليا ويريد تطبيقه سنة 2019، لأن قرار القاعدة المشتركة يعتبر جيوسياسيا وليس استراتيجيا فقط. في الوقت ذاته، قرار من هذا النوع سيدفع موسكو إلى التدخل للمساهمة الجدية في حل نزاع الصحراء عبر البوابة الجزائرية، وليس بالضرورة عبر تبني أطروحة الجزائر، رغم ما يقال عن متانة العلاقات بين البلدين. وهذه التطورات ستجعل نزاع الصحراء ينتقل تدريجيا من يد الغرب إلى يد الشرق.

في الوقت ذاته، قرار مثل هذا سيكون مكلفا للمغرب بحكم أن شريكه الاقتصادي الأول هو الغرب واقتصاده غير متنوع بما فيها الكفاية حتى الآن. لكن هذا الغرب بدأ يتخلى عن المغرب، والملك محمد السادس تحدث في خطاب الرياض 20 أبريل الماضي عن وجود مؤامرة غربية ضد بلاده ويؤكد أن «المغرب ليس محمية لأي دولة، وقادر على اتخاذ القرارات التي تراعي مصلحته».

التفكير في منح الروس قاعدة عسكرية مشتركة في الأطلسي في وقت يعيد الكرملين نشر قواته عالميا، سيدخل بدون شك ضمن القرارات التاريخية التي اتخذها العرب في لحظات تاريخية معينة، وهي قليلة جدا، وعلى رأسها تأمين قناة سويس في الخمسينيات ومنع تصدير البترول إلى الغرب سنة 1973. وقد اعتاد العرب التخوف أمام القرارات الجيوسياسية، بينما الغرب لا يأبه بها عندما يقرر اتخاذ قرار ما يخدم مصالحه. ويبقى المثال البارز، سياسة واشنطن الحالية في الشرق الأوسط التي تتخذ من إيران محاورا بدل دول الخليج رغم ما يقال عن العلاقات التاريخية بين الطرفين.

&