يحيى الأمير

ربما يكون العام ٢٠١٦ آخر الأعوام حضورا للإسلام السياسي، تراجع مستمر بعد فشل التجربة يقابله إصرار واضح من الكوادر المؤثرة في تلك الجماعات على المضي قدما بالأدوات والوسائل ذاتها التي لم تعد مجدية.

سوف تشهد بعض عواصم المنطقة اجتماعات هنا ومؤامرات هناك سيحرص منظموها على ألا تحمل عناوين تلك اللقاءات أي إيحاء بأنها تخص جماعات الإسلام السياسي، عناوين مثل: التخطيط الإستراتيجي الإسلامي، المستقبل الإسلامي.

كانت هزيمة جماعة الإخوان المسلمين في مصر على يد الشارع المصري أكبر خسارة تتلقاها حركات الإسلام السياسي العربية منها وغير العربية، كان بإمكان تلك التنظيمات أن تعيد بناء خطابها وكوادرها من جديد لكن شيئا من ذلك لم يحدث، فقد استبدلوا خطاب الأممية المفرط غير الواقعي بخطاب المظلومية والبكائيات والابتلاء وهو ما استمر منذ تلك الهزيمة الحتمية في مصر وإلى اليوم. تداخل مع تلك البكائيات خطاب فيه الكثير من التشفي والشماتة بأي حدث تتعرض له البلدان المستقرة المناهضة للإسلام السياسي. وحتى الحوادث ذات الأبعاد الإنسانية لم تسلم أيضا من ذلك التشفي.

جاءت عاصفة الحزم التي قادتها المملكة لاستعادة الشرعية في اليمن لتمثل حرجا بالغا لجماعات الإسلام السياسي، استطاعت المملكة أن تحمي اللغة اليومية المصاحبة للحرب من أن يتم تحويرها طائفيا أو مذهبيا وهو ما حاولت تلك الجماعات أن تقوم به، وكانت مشاركة مصر مثلا في التحالف العربي لعاصفة الحزم وإعادة الأمل شرخا كبيرا في إيمان تلك الجماعات بالتحالف وحاولوا التشويش عليه كثيرا عبر مختلف المنابر.

تمثل المملكة العربية السعودية بشخصيتها ونظامها وخطابها وسعيها الدؤوب نحو المستقبل حرجا كبيرا لجماعات الإسلام السياسي فالنجاح المستمر لهذا النموذج الذي تمثله المملكة يمثل أبرز إفشال لمشروع دولة الجماعة أو دولة الخلافة أو الدولة الدينية باتجاه الدولة الاسلامية المعتدلة.

تمثل نجاحات الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج كذلك مشكلة لدى تلك الجماعات لأنها تقول لكل شعوب المنطقة إن النجاح والبناء والاستقرار يمكن أن يتحقق بعيدا عن تلك النماذج والأحلام التي تبشر بها جماعات الإسلام السياسي.

ازداد أيضا وجل الشارع العربي من تلك الجماعات حينما بادروا لإقامة علاقات مع إيران، وحينما أخذت بعض القوى الغربية في دعمهم تنفيذا لمشروع الإسلام المعتدل الذي سيريح العالم من شبح الإرهاب. كل ذلك أدى لمزيد من الخسائر التي تؤذن بقرب انتهاء تلك الجماعات أو تحولها عن النموذج الحالي غير المجدي..

منذ يومين أعلن راشد الغنوشي مؤسس ورئيس حركة النهضة الإسلامية التونسية أن الحركة سوف تخرج من الإسلام السياسي وأنها ستتحول إلى حزب سياسي ديمقراطي ومدني، كان ذلك في المؤتمر العاشر للحركة والذي عقد لإعلان فصل الدعوي عن السياسي والتحول إلى حزب مدني.

المتتبع لحركات الإسلام السياسي في العالم يدرك أن التجربة المغاربية أكثر نضجا وحداثة من مثيلاتها في مصر وفي الخليج، بل وفي تركيا أيضا. ولربما كان للتجارب التي مرت بها تلك الجماعات في بلاد المغرب العربي وتاريخ المواجهات الطويلة مع الأنظمة إضافة إلى التأهيل الفلسفي والمعرفي لأبرز القيادات والكوادر في تلك الجماعات دور في نقد ومراجعة خطاب تلك الجماعات وشخصيتها.

إعلان الغنوشي هو في الواقع خروج مطلق من فكرة العمل الحركي الحزبي الإسلامي الذي يجعل من الدعوي مادة للكسب والتحفيز والتغيير السياسي، وبالتالي انتهاء فعلي لتاريخ الجماعة وتجربتها المتعثرة، ومع أن حركة النهضة لم تفلح في أن تكون نموذجا يؤثر في تيارات الإسلام السياسي في المشرق العربي إلا أن هذا الإعلان وهذا التحول سيمثل مرحلة جديدة في مسيرة جماعات الإسلام السياسي.

التحول الكبير الذي تحتاجه جماعات الإسلام السياسي يتمثل في الإيمان بالدولة الوطنية الحديثة والخروج من فكرة الأممية وأحلام الخلافة، بمعنى أن يكون العمل من أجل الدولة لا من أجل الجماعة. ورغم أن العام ٢٠١٢ كان فرصة مواتية لذلك التحول وتحديدا في مصر، ورغم بساطة الفكرة إلا أن نشوة السلطة جعلت قيادات الجماعة ترى أن وصولها للسلطة كان نصرا إلهيا وهو ما جعل هزيمتها بعد ذلك نتيجة حتمية لتلك الأوهام.

إن بقاء تلك الجماعات في إطار الفكرة الأممية بديلا للفكرة الوطنية وانتظار النصر الماحق الذي سيعيدهم إلى السلطة لن يعني سوى المزيد من الخسائر والتراجع، ومهما اكتظت فنادق بعض المدن الإسلامية بالندوات والمؤامرات والعناوين الفضفاضة وربطات العنق ذات الألوان الفاقعة فلن يغير ذلك من الواقع شيئا