&أيمن الحماد

في الشرق الأوسط هناك دول خرجت من معادلة المنطقة، وملامح كيانات تتشكل على واقع الحرب المستعرة في سورية والعراق، والتاريخ يخبرنا أن الصراعات الدائرة في المناطق المختلطة غالباً ما تفرز كيانات وحركة اصطفافية توحد أبناء العرق والمذهب والدين خلف همّ واحد هو الحفاظ على وجودهم أو انبعاثهم لأجل تأسيس كيان مستقل لهم.

في منطقتنا العربية يبزغ الأكراد وينبعثون من ركام الأزمة السورية حيث انفلت الوضع بشكل لا يبدو أنه قابل للانتظام مرة أخرى إلا بخروج النظام السوري الذي يحاول هو الآخر تأمين بقائه من خلال تأمين قواعد الأقلية العلوية التي ينتمي إليها، إذ يرمي بثقله العسكري في منطقة الساحل حيث طرطوس.

وعوداً على الأكراد الذين يكفي أن ننظر إلى خارطة الدول الثلاث إيران والعراق وسورية، لنرى أنهم عملياً يسيطرون على المناطق المحاذية للجنوب التركي وهي حدود تمتد بطول حوالي ألف كيلومتر، حيث يتواجد الأكراد شرقاً في "ماهاباد" في إيران حيث أطلال الجمهورية الكردستانية التي لم تدم طويلاً، ويستمر هذا التواجد باتجاه الغرب مروراً بإقليم كردستان العراق ويقطع الحدود مع سورية حيث الحسكة، ومنها انطلقت "قوات سورية الديموقراطية" التي يقودها الأكراد نحو الرقة وسيطروا على جزئها الشمالي، ولا نعلم أين تقف تلك "القوات" هل ستكمل إلى إدلب أم تحجبها تخوم حلب ذات الأغلبية العربية؟ الأكيد أن الأكراد قبل الأزمة السورية ليسوا كما بعدها، فقد دخلوا معادلة المنطقة.

هذا الدخول يرعاه الأميركيون اليوم ويدعمونه عسكرياً وسياسياً، فواشنطن منغمسة ومنهمكة في تنسيق مباشر وصريح على الأرض مع القوات الكردية في سورية، والتي تراها أكثر توحداً من بقية أطراف المعارضة السورية، فـ"قوات سورية الديموقراطية" هي الفاعل اليوم في الحرب على "داعش" ليس ذلك فحسب، بل هي اليوم تقطع الفرات غرباً متجاوزة التهديدات التركية.

ولاشك أن وراء ذلك تفاهمات بين واشنطن وأنقرة، والتاريخ يخبرنا أن الذين رعوا في الواقع قيام إقليم كردستان العراق كمنطقة ذاتية الحكم هم الأميركيون عندما أدى الحظر الجوي شمال العراق في التسعينيات إلى قيام الكيان الكردي.

ويخبرنا مسار الأحداث في سورية أن ذات المنهج الاميركي تسير عليه روسيا اليوم التي تدخلت عسكرياً في سورية، لمحاربة الإرهاب كهدف معلن بينما مساندة النظام المنتمي للأقلية العلوية هو الهدف الذي لا يمكن أن تخطئه عين مراقب لتؤسس قواعد عسكرية لها في مناطق العلويين تأهباً لإعلان "دولة الساحل" المزعومة، عندما ينتهي دور النظام في دمشق.