رائد خالد قرملي
في ذكرى مرور عامين على تسلم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في البلاد، من المفيد أن نستحضر دقة المرحلة وخطورة التحديات الاستراتيجية والتهديدات الأمنية والتقلبات السياسية التي واجهت عالمنا العربي، وفي القلب منه بلدنا الغالي المملكة العربية السعودية، خلال العامين المنصرمين. هذه المخاطر المجتمعة والمتراكمة لم تعد خافية على أحد، وهي باتت تشكل تهديدًا وجوديًا لهوية المنطقة الراسخة منذ قرون، في ظل ما تعرضت له شعوب عربية من دمار ومجازر وتهجير وجرائم يندى لها جبين الإنسانية بفعل تدخلات إيران السافرة والهجمات الإرهابية والميليشيات الطائفية، وفي ظل انكفاء أميركي وتخاذل دولي يصلان لمرحلة التواطؤ. هذا التهديد الوجودي حتم على المملكة أن تشمر عن سواعدها دفاعًا عن قيمنا الإسلامية الوسطية، وعن هويتنا العربية المنفتحة، وعن أمننا ورفاهنا واستقرارنا.
وقد شهدنا خلال العامين المنصرمين نماذج عجيبة لعجز وتخبط وتردد وتناقض مواقف قادة لدول عظمى ودول إقليمية مهمة، فمنهم من يجابه الواقع المتغير والخطير ببهلوانيات خطابية وإعلامية سرعان ما ارتدت سلبًا على صاحبها، ومنهم من يسعى لاهثًا يائسًا متخبطًا لتغيير سياساته وتحالفاته كما يغير الإنسان ملابسه، ومنهم من ينام نومة أهل الكهف ويصبح مجرد متفرج على الحرائق التي تشتعل بجواره وتمتد ألسنتها إلى عقر داره.
لكن الله أنعم علينا بمليك فذ يملك من قوة الإيمان والخبرة والتجارب وسعة الاطلاع ما يندر اجتماعه لأحد من الناس، مليك مطمئن بدينه واثق من هويته يواجه المخاطر بحزم وعزم وحسابات دقيقة.
وسأكتفي بهذه العجالة في التركيز على أربع سمات أساسية للسياسة الخارجية السعودية في عهد الملك سلمان:
السمة الأولى هي التحديد المبكر والواضح والدقيق لمكمن الخطر وجوهر التحدي دون مجاملات أو مراوغات أو تهرب من المسؤولية. فخلال مشاركته في مؤتمر القمة العربية في شرم الشيخ في مارس (آذار) 2015م، أكد الملك سلمان أن الواقع المؤلم الذي يعيشه عدد من البلدان العربية، من إرهاب وصراعات داخلية وسفك للدماء، هو نتيجة حتمية للتحالف بين الإرهاب والطائفية الذي تقوده قوى إقليمية أدت تدخلاتها السافرة في المنطقة العربية إلى زعزعة الأمن والاستقرار. هذا الوضوح الدقيق في تشخيص جوهر أزمات المنطقة هو ما تفتقده سياسات المجتمع الدولي وقواه العظمى بل وبعض بلدان المنطقة للأسف. فهي ما زالت سياسات متخبطة انتقائية ذات معايير مزدوجة، تعلن حربًا على بعض الإرهاب بالاعتماد على بعض آخر لا يقل إرهابًا وتطرفًا وإجرامًا، والنتيجة المنطقية أن موجات الإرهاب والتطرف والحقد الطائفي ما فتئت تتناسل وتزداد انتشارًا، ونتائجها الكارثية تتسع وتتعمق. الإرهاب والتطرف والإجرام ملة واحدة مهما تعددت المسميات والألوان والشعارات، سواء زعم المجرمون زورًا وبهتانًا أنهم سنة مثل «القاعدة» و«داعش»، أو شيعة مثل ما يسمى حزب الله وأنصار الله والحشد الشعبي الطائفي وغيرها، أو علويون مثل عصابات الشبيحة التي تسمي نفسها جيشًا عربيًا سوريًا!
السمة الثانية هي تأكيد وترسيخ وتعميق الثوابت الاستراتيجية. وهو ما يظهر جليًا في دور المملكة القيادي والحاسم في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وفي جامعة الدول العربية، وفي منظمة التعاون الإسلامي. وهذا الدور السعودي القيادي الحاسم أكد عزلة إيران والجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية عن مجمل الأمة العربية الإسلامية، ورسخ هوية دول الخليج والجزيرة العربية، واستنهض الهمم بتشكيل التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب الذي انضم إليه حتى اليوم 41 دولة عربية وإسلامية. وقد أثبتت جولة الملك سلمان الخليجية الأخيرة، وانضمام عمان للتحالف الإسلامي، أن خليجنا واحد صامد مدرك لخطورة المرحلة واع لضروراتها.
السمة الثالثة هي تنامي النشاط والفاعلية والديناميكية. وحسبنا هنا أن نشهد بلادنا وقد باتت محطة رئيسية مفصلية للدبلوماسية الدولية. فالملك سلمان زار 19 دولة منذ تسلمه الحكم، واستقبل 119 من رؤساء الدول والحكومات خلال عامين، وجميعها كانت حافلة بلقاءات دسمة نتج عنها نتائج عملية فعلية. هذا عدا عن لقاءات وزيارات ولي العهد وولي ولي العهد ووزير الخارجية. وإذا أخذنا العلاقات السعودية - الإيطالية مثالاً، فإن زخم الزيارات الثنائية خلال هذين العامين ليس مسبوقًا عبر تاريخ العلاقات بين البلدين الممتد لقرابة 85 عامًا، حيث زار المملكة خلال هذه الفترة كل من رئيس الوزراء الإيطالي، ووزير الخارجية (أصبح الآن رئيسًا للوزراء)، ووزيرة الدفاع، ووزير الداخلية (أصبح الآن وزيرا للخارجية). وبدوره زار وزير الخارجية السعودي النشيط عادل الجبير روما ثلاث مرات خلال نفس الفترة.
السمة الرابعة هي الاقتران المميز والفريد بين الأدوات الدبلوماسية والعسكرية والإنسانية في سلة متكاملة تجمع بين الحزم والعزم والأمل وإغاثة الملهوف والجنوح للسلم. فنحن في المملكة بقيادة الملك سلمان لسنا دعاة حروب، لكن إذا قرعت طبولها فنحن لها، كما قال الأمير الراحل سعود الفيصل. وفي اليمن الشقيق جمعت المملكة بين قيادة التحالف العربي العسكري الداعم للشرعية اليمنية، وتوجيه مساعدات مركز الملك سلمان للأعمال الإغاثية والإنسانية لمساعدة جميع أبناء اليمن دون تفريق بما في ذلك داخل صعدة ذاتها معقل الحوثيين، ودعم جهود المبعوث الدولي لتحقيق حل سلمي في اليمن. ورغم ما تعرضت له مناطق المملكة الحدودية من اعتداءات آثمة، بل رغم استهداف صواريخ الانقلابيين لمكة المكرمة، فإن المملكة لم تلجأ مطلقًا لتدمير المدن وتهجير السكان، ذلك أن المملكة تعتبر الشعب اليمني شعبًا شقيقًا وجارًا عزيزًا وهي تدخلت لمساعدته لا لمعاقبته، بعكس ما يقوم به طاغية سوريا وحلفاؤه الإيرانيون ضد مدن وأبناء سوريا. بل حتى التوغل البري امتنعت عنه المملكة لأنها تدرك أن أمور اليمن سيحسمها اليمنيون أنفسهم.
إن الدور القيادي، إقليميًا ودوليًا، للمملكة العربية السعودية بقيادة الملك سلمان لم يأتِ من فراغ، فهو دور طبيعي وضروري لدولة تشكل ثلاثة أرباع جزيرة العرب، وتحتضن المقدسات الإسلامية، وتعد العضو العربي الوحيد في مجموعة العشرين، وهي دولة لا مطامح لها بالتوسع والهيمنة وبسط النفوذ، ولا مطامع لها بثروات الآخرين أو مقدراتهم، بل تريد الأمن والاستقرار والسلام والرفاه لغيرها مثلما تريده لنفسها.
سفير السعودية لدى إيطاليا ومالطا
التعليقات