نايلة تويني

في ذكرى الاحتفال أمس بتوقيع وثيقة التفاهم بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، لا بد من قراءة لتطورات الامور منذ ذلك الحين، وتحولها سياسياً لمصلحة الحزب في مشروعه الأبعد من الظروف الآنية والتطورات اليومية. ولما كان الحزب يدرك جيداً مدى تقدمه في هذا المسار الطويل، فانه يرتضي لنفسه أقل ما يمكن من الوزراء والحقائب، لا تعففاً، بل بوعي كامل لتساقط المعارضات التي كانت تحول دون تقدم مشروعه الظاهر والخفي في آن واحد.
في ورقة التفاهم مع "التيار الوطني الحر"، أخفى الأخير كتابه البرتقالي الذي كان يندد بسلاح الحزب ويعتبره غير شرعي، ومناقضاً لوجود الدولة، ومتضارباً مع عمل المؤسسات الأمنية، بل لاغياً لها. وتأمن للحزب الغطاء المسيحي الأوسع الذي كان السند وخصوصا في حرب تموز 2006، وقد رد الحزب الجميل بإصراره على ترئيس العماد ميشال عون "ولو بعد الف سنة" كما قال الشيخ نعيم قاسم ذات يوم.


وفي مرحلة لاحقة، اتفق الرئيس سعد الحريري مع "التيار الوطني الحر" على ترئيس عون، ودخل في حوار مباشر مع "حزب الله" لتخفيف الاحتقان، وبذلك ازاح عن كاهل الحزب شبح الفتنة، وهو امر ضروري انسانيا ووطنياً، لكنه عاد فاراحه من عبء معارضته بعد توليه رئاسة الحكومة من جديد، وخفف لهجته حيال تورط الحزب في الحرب السورية.


اما حزب "القوات اللبنانية" الاشد معارضة للحزب في تاريخه، فقد دخل في حوار بالواسطة، ويقول احد الوزراء ان هذا الحوار يكاد يتحول "اوتوسترادا" فيما لو اضاءت قيادة الحزب ضوءها الاخضر، اذ لا تزال تدرس مندرجات هذا التقارب وطريقة اخراجه الى الجمهور الواسع الذي اعتاد خطاب التخوين واتهام "القوات" بالعمالة حينا، وبارتكاب الجرائم الداخلية حيناً آخر.


ويسعى حزب الكتائب منذ فترة الى التواصل مع "حزب الله" بطريقته، ويحكى عن تقدم في حوار ما حول بعض القضايا الوطنية.


هكذا يكون "حزب الله" مذ تفاهمه مع "التيار الوطني الحر" قبل عشر سنوات، قد اسقط كل المعارضات التي كانت تؤثر فيه وعليه، وان لم تكن تعوقه كلياً بسبب ما يملك من قوة تعتمد على العديد والمال والعتاد والسلاح.


لا يدخل هذا الكلام في باب رفض التفاهمات الداخلية المحبذة دائما، والضرورية لمنع اي اقتتال او فتنة، ولصد كل عدوان خارجي، لكن للتنبه الى ان التفاهمات والحوارات قد تتحول تنازلات اذا لم يقدم الفريق الاخر شيئا في المقابل. فرئاسة ميشال عون الاقوى مسيحيا، وكذلك سعد الحريري الاقوى سنيا، هما حق وليسا منة من أحد.


اما الكلام الاخر الضروري السؤال عنه فهو عن السلاح، وعن التدخل في سوريا، وعن الاستراتيجية الدفاعية، وعن بعض الجزر الامنية القائمة بغطاء البلديات وغيرها، وعن الامن ككل، وعن الضغوط التي تمارس هنا وهناك، وهذه امور يجب ان تدخل في صلب التفاهمات وان يطلع المواطن اللبناني عليها، اذ لا تكفي التفاهمات السياسية لاقتسام المغانم والمقاعد والحقائب. اذ ذاك لا يرتاح حزب او تيار او ما شابه، وانما يرتاح الوطن والمواطن.