عبلة مرشد

أهم المؤشرات الاقتصادية القيّمة التي ستتولد عن تلك الاستثمارات المختلفة بقطاعاتها ومصادر تمويلها المتنوعة بين القطاع الخاص والعام والمحلي والأجنبي، هو توجيه الاستثمار نحو الداخل الوطني والعربي

انطلق مشروع «نيوم» السعودي في إطار التطلعات الطموحة لرؤيتنا الوطنية 2030، بتحول المملكة العربية السعودية إلى نموذج عالمي رائد فيما يتصل بمختلف غايات الرؤية ومستهدفاتها، والتي استندت إلى مرتكزات إستراتيجية تمحورت حول المجتمع الحيوي، والاقتصاد المزدهر، والوطن الطموح، وقد حوى المشروع في مضمونه الثري المتنوع 9 قطاعات استثمارية متخصصة، شملت كل مرتكزات الرؤية الثلاثة، في جانبها المجتمعي والاقتصادي في إطارها الوطني، وتمثلت تلك القطاعات في: 
1-مستقبل الطاقة والمياه كموارد حيوية واقتصادية مهمة. 
2-مستقبل التنقل كوسيلة أساسية لتحقيق منجزات مطلوبة.
3-مستقبل التقنيات الحيوية لأهميتها في التعامل مع المبتكرات الحديثة والتمكين من إضافة إبداعات جديدة. 
4-مستقبل الغذاء الذي يحتل أولوية دائمة في السياسات القومية الوطنية لأهميته الشعبية 5-مستقبل العلوم التقنية والرقمية التي تمثل الأساس العلمي لانطلاقة الابتكارات والمشاريع المتقدمة تكنولوجيا، بما يتماشى مع ركب التقدم العالمي والتقنية الحديثة. 6-مستقبل التصنيع المتطور الذي به يمكننا تحقيق نقلة نوعية وقفزة اقتصادية لمواردنا الطبيعية وميزاننا التجاري ومكانتنا الدولية. 
7-مستقبل الإعلام والإنتاج الإعلامي، والذي خلاله يمكننا نقل صورتنا الوطنية وواقعنا الحقيقي الذي يعكس مبادئنا وديننا وقيمنا التي نريد نشرها وتوصيلها بالنمط والصورة التي نختارها نحن ولا يختارها غيرنا، إلى جانب دور «الإعلام» المهم في إحداث تغيير وتطوير في بنية المجتمع واتجاهاته، بناء على مستهدفات مدروسة، كما تضمن المشروع في محتواه. 
8-مستقبل الترفيه لأهميته في إنعاش النفس الإنسانية، والارتقاء بالهوايات والإبداعات المختلفة، لتكون منتجا وطنيا يثري ثقافتنا وحضارتنا القومية باختلاف مناطقنا، بما يثري ثقافتنا الحضارية الوطنية. 
9- مستقبل المعيشة الذي يمثل المرتكز الأساسي الذي تستند إليه كل القطاعات الأخرى لأنه القاعدة التي تُبنى عليها كل القطاعات الأخرى، وعليها ومنها يتم تقييم مدى جودة ونجاح القطاعات الأخرى في تحقيق الطموحات والرؤى المقصودة.
وقد تميز المشروع بانطلاقته العالمية من أرضية شملت 3 دول مهمة في موقعها الإستراتيجي، وهي: المملكة العربية السعودية، والأردن، ومصر، بحيث تمتد أرض المشروع في منطقة من شمال غرب المملكة وعلى مساحة 26.500 كلم2، وبإطلالة على البحر الأحمر وخليج العقبة بطول 468 كلم، وبذلك يشرف على عنق الزجاجة للبحر الأحمر في جزئه الشمالي، حيث خليج العقبة، ومنه إلى البحر المتوسط الذي يمثل المنفذ الشمالي للبحر الأحمر عبر بوابة قناة السويس، والذي أهّل تلك المنطقة لأن تحتل مكانة مهمة في الإستراتيجية العالمية على مر العصور، لموقعها الجغرافي المهم، وسيطرتها على طرق الملاحة العالمية التي تَعُبر ذلك الطريق الملاحي المختزل بين الشرق الآسيوي والغرب الأوروبي إلى الشرق الأميركي، والذي جعلها بذلك مطمعا دوليا للقوى العظمى، لأنها نقطة مرور والتقاء لمصالح إستراتيجية مشتركة بين قارات العالم الثلاث: آسيا، إفريقيا، أوروبا، ومنها إلى أميركا الشمالية. 
وحيث إن المشروع قائم على جذب الاستثمارات الخاصة من المستثمرين المحليين والعالميين، إضافة إلى الاستثمارات والشراكات الحكومية، والذي سيتم دعمه وطنيا بـ500 مليار دولار كبداية لانطلاقته المأمولة، فإن استقطاب المستثمرين العالميين إلى المنطقة، وإشراكهم في تطوير المنطقة وتنميتها وبنائها، سيعود بالمصلحة المتبادلة على الطرفين، بل ويُعد ذلك من أحد الُممَكّنات الرئيسية لنجاحه، وأهم عناصره الجاذبة للمنفعة المتبادلة، والنجاح والتميز في تحقيق طموحاتنا الوطنية وتطلعات رؤية 2030 بمنظور مختلف، وبما ينعكس خيره على جميع الدول والشعوب التي يشمل أرضها المشروع. 
ومما تجدر الإشارة إليه، أن مشروع «نيوم» وبما يحمله من معنى «الحداثة والمستقبل» فإنه يشمل التقنيات المستقبلية لتطوير المنطقة بمزايا فريدة في نوعها وبمستواها التقني، والذي يتضمن حلول التنقل الذكية، بدءا من القيادة الذاتية إلى الطائرات ذاتية القيادة، كما يشمل الأساليب الحديثة في الزراعة وإنتاج الغذاء، والرعاية الصحية التي تركز على الإنسان وتحيط به في جميع ما يكفل صحته ورفاهيته، إلى التعليم المجاني والمستمر عبر الإنترنت وبأعلى المعايير العالمية، مع توفير الخدمات الحكومية الرقمية المتكاملة، والشبكات المجانية للإنترنت الفائق السرعة، بما يعرف بـ«الهواء الرقمي»، ويتطلع مشروع «نيوم» إلى أن تكون المنطقة الأكثر أمنا في العالم، خلال توظيف أحدث التقنيات العالمية في مجال الأمن والسلامة، بما يعزز من كفاءة أنشطة الحياة العامة، وبما يضمن حماية السكان والمرتادين والمستثمرين.
ولعل من أهم المؤشرات الاقتصادية القيمة التي ستتولد عن تلك الاستثمارات المختلفة بقطاعاتها ومصادر تمويلها المتنوعة بين القطاع الخاص والعام والمحلي والأجنبي، هو توجيه الاستثمار نحو الداخل الوطني والعربي، والحد من تسرب الأموال وهجرة الاستثمارات نحو الخارج، بما ينعكس إيجابا على استثمار مواردنا الوطنية وزيادة إنتاجنا المحلي، ونمو حجم المساهمة في ميزاننا المالي ودخلنا الوطني، والذي سيؤدي بدوره إلى الحد من الواردات وزيادة الصادرات، بما يثمر إيجابا على ميزاننا التجاري ونمونا الاقتصادي، والذي سينعكس مردوده تباعا على توفير وظائف وفرص عمل مختلفة للمواطنين في القطاعات المختلفة، بما يحويه ويستقطبه من مخرجات الجامعات والكليات بتخصصاتها المختلفة، والذي سينعكس بدوره على الحد من البطالة، وتحسن مستوى المعيشة، وتوفير قدر كبير من الرخاء والرفاه للمواطنين. 
واستكمالا لما يستهدفه المشروع من النهوض بجميع متطلبات التنمية، وما يتعلق بها من تقنيات، وبما تفرزه من منجزات ومنتجات مختلفة تصب في الصالح الوطني، فإن ذلك يتطلب تحديثا وتطويرا لكل القطاعات والمؤسسات العامة والخاصة التي ستكون طرفا في الإنجاز، وشريكا أساسيا في بناء قاعدته الإنتاجية وهيكله البنيوي، ثم حصاد مخرجاته التقنية والتنموية على اختلافها، وذلك يشمل نظامها المؤسسي وما يتضمنه من أنظمة وتشريعات وقوانين مختلفة، وما يرتبط بذلك من تطوير وتحديث لمستوى كفاءة مواردنا البشرية، وارتقاء في مستوى أدائها، بما يكفل تمكينها وجودة تأهيلها وتدريبها بما يتواءم مع المتطلبات المستقبلية المقصودة والتقنيات الحديثة المستهدفة، والذي يتم خلال تحديث وتنويع التخصصات في الجامعات والكليات، وما يتبعها من متطلبات تأهيلية تدعمها كوادر بشرية مميزة، وبذلك نستطيع جني ثمار خططنا التنموية ومشروعنا المستقبلي للصالح الوطني، كما يمكننا المنافسة في الاستئثار بمقعد مهم لوطننا في الساحة الدولية، ولعل تعثرنا في المواءمة بين مستوى تمكين مواردنا البشرية المعاصرة، وبين متطلبات حاجاتنا التنموية الوطنية ومتطلبات سوق العمل المختلفة، وما يتصل بذلك من نظم وتشريعات متعلقة بسوق العمل وغيره، وما ترتب عليها من تحديات وإشكالات نعيشها، كفيلة بأن تدفعنا إلى مزيد من التخطيط الإستراتيجي الدقيق، وعمق الرؤية في الموازنة بين سياساتنا وما نتخذه من إجراءات، وما نضعه من برامج من جهة، وبين مواردنا ونظامنا المؤسسي وطموحاتنا المستقبلية من جهة أخرى، وبما يؤهلنا إلى استشراف المستقبل المقصود بشفافية عالية وبصيرة ذكية، تمكننا من حصاد ثمار مشروع «نيوم» بمنجزاته الرائدة.