فاتح عبد السلام

من‭ ‬بداية‭ ‬أزمة‭ ‬استفتاء‭ ‬الاستقلال‭ ‬،‭ ‬بات‭ ‬واضحاً‭ ‬إنّ‭ ‬هناك‭ ‬توجيهاً‭ ‬مركزياً‭ ‬بتوافق‭ ‬معين‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬مصطلح‭ ‬شمال‭ ‬العراق‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬اقليم‭ ‬كردستان‭ ‬العراق‭. ‬وهي‭ ‬التسمية‭ ‬التي‭ ‬اعتادت‭ ‬تركيا‭ ‬وايران‭ ‬على‭ ‬تداولها‭ ‬وترويجها‭ ‬في‭ ‬مسعى‭ ‬منهما‭ ‬لعدم‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأي‭ ‬وجود‭ ‬ولو‭ ‬مستقل‭ ‬نسبياً‭ ‬للكرد‭ ‬وتفادياً‭ ‬لمواجهة‭ ‬مشاكلهما‭ ‬المعلقة‭ ‬والمستحقة‭ ‬دائماً‭ ‬مع‭ ‬الكرد‭ ‬في‭ ‬بلديهما‭ . ‬

تعيير‭ ‬شمال‭ ‬العراق‭ ‬،‭ ‬لم‭ ‬يجرؤ‭ ‬نظام‭ ‬صدام‭ ‬على‭ ‬اطلاقه‭ ‬وكان‭ ‬يقول‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬ثم‭ ‬قال‭ ‬لاحقاً‭ ‬،‭ ‬السلطات‭ ‬الكردية‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬الوطن‭ ‬الحبيب‭ ‬،‭ ‬وحين‭ ‬تكون‭ ‬الخصومة‭ ‬عالية‭ ‬والحرب‭ ‬قائمة‭ ‬كان‭ ‬النظام‭ ‬يقول‭ ‬الأحزاب‭ ‬الكردية‭ ‬العميلة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬الاحوال‭ ‬اقرار‭ ‬بالكرد‭ ‬اتفاقاً‭ ‬أو‭ ‬اختصاماً‭ ‬معهم‭ ‬،‭ ‬واقرار‭ ‬بحكمهم‭ ‬الذاتي‭ ‬بأنفسهم‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬منقوصاً‭ .‬

تعبير‭ ‬شمال‭ ‬العراق‭ ‬،‭ ‬ليس‭ ‬وليد‭ ‬حدث‭ ‬طاريء‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬محاولة‭ ‬تطويع‭ ‬وتمييع‭ ‬القومية‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬العمود‭ ‬الثاني‭ ‬للدولة‭ ‬بحسب‭ ‬الدستور‭ ‬العراقي‭ ‬،‭ ‬وما‭ ‬سبقته‭ ‬من‭ ‬دساتير،‭ ‬إذ‭ ‬أقرت‭ ‬جميعها‭ ‬أنّ‭ ‬العراق‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬قوميتين‭ ‬أساسيتين‭ ‬هما‭ ‬العرب‭ ‬والكرد‭ .‬

صحيح‭ ‬إنّ‭ ‬أحداً‭ ‬لم‭ ‬يصرح‭ ‬بأنه‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الكردي‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬الغاء‭ ‬مفردة‭ ‬كردستان‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬عليها‭ ‬كل‭ ‬ادبيات‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بعد‭ ‬،‭ ‬اسقاط‭ ‬الامريكان‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬،‭ ‬هو‭ ‬تمهيد‭ ‬لقفزة‭ ‬أكبر‭ ‬لإلغاء‭ ‬الدور‭ ‬الكردي‭ ‬بصفته‭ ‬القومية‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬دستورياً‭ ‬،‭ ‬وتحويل‭ ‬الكيان‭ ‬الاداري‭ ‬والسياسي‭ ‬للفيدرالية‭ ‬الى‭ ‬مجرد‭ ‬محافظات‭. ‬

هنا‭ ‬يتم‭ ‬التلاعب‭ ‬اللفظي‭ ‬بالدستور‭ ‬الذي‭ ‬سيتحول‭ ‬الى‭ ‬شرارة‭ ‬فتنة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ذنب‭ ‬منه‭ ‬،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬تنفيذه‭ .‬

‭ ‬هل‭ ‬بدأنا‭ ‬نشهد‭ ‬مرحلة‭ ‬التصفية‭ ‬الجديدة‭ ‬للضلع‭ ‬الثاني‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬عليه‭ ‬العراق‭ ‬الجديد‭ . ‬وسط‭ ‬تجاهل‭ ‬امريكي‭ ‬واضح‭ ‬للإخلال‭ ‬الجاري‭ ‬بالتوازنات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬،‭ ‬وسكوت‭ ‬المستفيد‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ . ‬الامريكان‭ ‬لم‭ ‬يعودوا‭ ‬بحاجة‭ ‬لدور‭ ‬الكرد‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬كما‭ ‬احتاجوهم‭ ‬عند‭ ‬تثبيت‭ ‬وضعهم‭ ‬في‭ ‬البلد‭ ‬إبان‭ ‬احتلاله‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬قوات‭ ‬البيشمركة‭ ‬الوحيدة‭ ‬المنظمة‭ ‬التي‭ ‬كلفت‭ ‬بواجبات‭ ‬عسكرية‭ ‬على‭ ‬الارض‭ ‬وفي‭ ‬بغداد‭ ‬خاصة‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬ّالفراغ‭ ‬الامني‭ . ‬المشكلة‭ ‬هي‭ ‬إن‭ ‬الكرد‭ ‬ظلّوا‭ ‬معلّقين‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬ينبغي‭ ‬بمقولات‭ ‬دعم‭ ‬تقليدية‭ ‬لا‭ ‬أساس‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬الواقع‭ ‬اعتاد‭ ‬الامريكان‭ ‬وسواهم‭ ‬اطلاقها‭ ‬،‭ ‬عند‭ ‬مفترق‭ ‬الطرق‭ .‬

في‭ ‬سوريا،‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬الامريكان‭ ‬كرد‭ ‬العراق‭ ‬بشيء‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬وجدت‭ ‬واشنطن‭ -‬فصيلاً‭ – ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الكرد،‭ ‬شديد‭ ‬الاندفاع‭ ‬وعظيم‭ ‬الحاجة‭ ‬للمساعدة‭ ‬في‭ ‬اثبات‭ ‬الوجود‭ ‬،‭ ‬فقاموا‭ ‬بوضع‭ ‬حلويات‭ ‬الفيدرالية‭ ‬الجاذبة‭ ‬أمامه‭ ‬لكي‭ ‬يعمل‭ ‬كأداة‭ ‬تنفيذية‭ ‬عسكرية‭ ‬بدل‭ ‬الجندي‭ ‬الامريكي‭ ‬على‭ ‬الارض‭ ‬،‭ ‬والفيدرالية‭ ‬مكسب‭ ‬كبير‭ ‬يحلم‭ ‬به‭ ‬الكرد‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬ولا‭ ‬يطمحون‭ ‬لأكبر‭ ‬منه‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬لهم‭ ‬طموح‭ ‬أكبر‭ ‬سيمر‭ ‬ثلاثون‭ ‬عاماً‭ ‬،‭ ‬يكون‭ ‬بإمكان‭ ‬الامريكان‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬التخلي‭ ‬عنهم‭ ‬كما‭ ‬

فعلوا‭ ‬من‭ ‬كرد‭ ‬العراق‭ .‬

‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الاحوال‭ ‬،‭ ‬يشهد‭ ‬العراق‭ ‬تدهوراً‭ ‬في‭ ‬اللياقة‭ ‬وأسس‭ ‬التعايش‭ ‬وحجب‭ ‬الحقوق‭ ‬القومية‭ ‬،‭ ‬حين‭ ‬يدفع‭ ‬حكامه‭ ‬باتجاه‭ ‬مصطلح‭ ‬شمال‭ ‬العراق‭ ‬ناكرين‭ ‬وجود‭ ‬أرض‭ ‬في‭ ‬السليمانية‭ ‬أو‭ ‬أربيل‭ ‬أو‭ ‬دهوك‭ ‬أو‭ ‬زاخو‭ ‬تسمى‭ ‬اقليم‭ ‬كردستان‭ ‬العراق‭ ‬وليس‭ ‬لبلد‭ ‬سواه‭ .‬

لينظر‭ ‬السياسيون‭ ‬قصيرو‭ ‬النظر‭ ‬الى‭ ‬تاريخ‭ ‬طويل‭ ‬ودام‭ ‬ومتداخل‭ ‬من‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الكرد‭ ‬كقضية‭ ‬ووجود‭ ‬،‭ ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬يقعوا‭ ‬في‭ ‬مصيبة‭ ‬أكبر‭.‬

ايها‭ ‬المنتشون‭ ‬بالتدهور‭ ‬،‭ ‬لا‭ ‬تتوهموا‭ ‬كثيراً‭ ‬،فالصراع‭ ‬سياسي‭ ‬،لا‭ ‬تجعلوه‭ ‬قومياً‭.‬