مشاري الذايدي
هناك إشارات طيبة تأتي من بغداد هذه الأيام، خاصة من رئيس الحكومة حيدر العبادي، القيادي في حزب الدعوة الحاكم.
إشارات حول السلم والنزعة الوطنية والبعد عن السياسات الإيرانية الضارّة. نقول إشارات، لأن الأمر لم يصبح بعد «سياسات» فعّالة، حتى الآن. السعودية كانت دشّنت مبادرات طيبة مع الجانب العراقي: فتح السفارة، وتعيين السفير، السبهان أولا ثم الشمري الآن، وزيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، لنظيره العراقي، إبراهيم الجعفري، والوعود بعون العراق في معركته الكبرى ضد عصابات «داعش»، ودعم المسار السياسي الجديد. مؤخراً أطلق رئيس الوزراء العبادي بعض التصريحات المسؤولة حقاً، منها ما هو للعراقيين ومنها ما هو للخارج.
مما قاله للعراقيين، خاصة الشيعة، إن العراق لكل العراقيين، ويسع الجميع، ولا يجوز احتكاره من طائفة أو قومية معينة. وإنه لا توجد «مواطنة من درجة ثانية».
ومما قاله عن الجوار الإقليمي، في حوار مع فضائية «الحرّة» الأميركية: «هناك انطباع لدى السعودية بأن العراق يتبع إيران، وهناك انطباع لدى عامة الشعب العراقي بأن السعودية تدعم الإرهاب، والانطباعان خاطئان». وأجاب العبادي عن سؤال ما إذا كان العراق جزءاً من معادلات إقليمية، والتوتر بين إيران والسعودية، فقال: «نرفض أن نكون ضمن سياسة المحاور». العبادي يأمل، ويعمل أيضاً على أن يكون العراق: «اللاعب الأساسي لإطفاء الفتن». طموح كبير طبعاً.
هذا كله جميل، ومبشّر بالخير، وكل عاقل محب للعراق، لا يريد من العراق أن ينخرط في الصراع الإيراني السعودي، يا ليت أن العراق يكون محايداً، ولا نقول منحازاً للسعودية، هذا أمر عظيم.
لدى العراق ما يشغله، لديه تحديات أمنية، على رأسها «داعش»، وتناسل العصابات الطائفية، المرتبطة «عضوياً» بالحرس الخميني الثوري. لدى العراق مخاطر سياسية في الحفاظ على صيغة البلاد الاتحادية، بعد تهديد الكرد بالانفصال، على خلفية الصراع على كركوك النفطية، وأيضاً غضب العرب السنة من تعرضهم للتهميش والتشكيك، والقتل من «داعش» السنية والدواعش الشيعية!
لدى العراق تحديات تتعلق بتوفير الحياة الكريمة للمواطنين، والحدّ الأدنى من الخدمات، الكهرباء والسلع... إلخ، وجلب الاستثمارات الخارجية. ربما كانت هذه المواقف العراقية الأخيرة، نتاج تغير الإدارة الأميركية «الحازمة» مع الجمهورية الخمينية، أو بسبب «ضجر» العراقيين من تردّي الحال، أو بسبب «يقظة» الوعي العراقي على حقيقة الحرص السعودي على استقرار واستقلال العراق.
أو ربما كل هذه الأمور مجتمعة، غير أن الواجب هو تشجيع ومساندة هذا المسار العراقي الجديد، أو لنقل تحويل هذه الإشارات إلى سياسات عملية.
هل يستطيع العبادي فعلها؟ نتمنى... من أجل العراق.. . .
التعليقات