عبدالله بشارة

 نحن نكتب كثيراً عن مصر، باهتمام الحريص على سلامتها والداعي لاستقرارها ولازدهارها، والشغوف بأخبارها، ماضياً وحاضراً، فراعنة وملوكاً وعسكرا، نعشق آثارها ونتابع تبدلاتها، نقرأ عن محمد علي وإنجازاته، وعن فاروق وضآلته، عن صراع الضباط، وعن شخصية زعيمهم المرحوم جمال عبدالناصر، بهذا الدافع قرأت ثلاثة كتب، اثنان من تأليف وزيرين ساهما في تأمين نجاح الثورة، وثالثهما كتبه سفير الاتحاد السوفيتي الذي صار سفيرا عام 1970 بعد الهزيمة، وفي الثلاثة أسرار لم تظهر إلا في الثمانينات مع أنها سجلت في الخمسينات، ما عدا كتاب السفير السوفيتي في القاهرة من 1970 – 1974، الذي كتبه في موسكو في آخر الثمانينات، وترجمه أنور محمد إبراهيم إلى العربية، واسم الكتاب «من ناصر إلى حرب أكتوبر» فيه الكثير من أسرار المواقف السوفيتية.
ما يهمني في محتوى الكتب الأسرار التي لم تكن متداولة، لا سيما في تدوينها لوقائع حدثت في السنوات الأربع للثورة المصرية، وما يزيد من أهميتها هي فقر المكتبة العربية ومعاناتها من غياب المعلومات عن ولادة الثورة والظروف التي مر بها الضباط الشباب وصراعاتهم واختلافاتهم مع القائد محمد نجيب ومع رئيس الوزراء علي ماهر باشا، ودور كل من الوزير فتحي رضوان، والوزير سليمان حافظ.
الأول سجل كتابا بعنوان «72 شهرا مع عبدالناصر» ونشره في منتصف الثمانينات، وهو محام معروف في الحزب الوطني المصري المعارض، لا سيما لحزب الوفد، وزع كتابه إلى فصول، واحد عن تأميم قناة السويس، وآخر عن رأي عبدالناصر في زملائه أعضاء مجلس الثورة، وثالث عن مفاوضات الجلاء، ورابع عن مجوهرات أسرة محمد علي، وآخر عن فاروق.
أهمية هذه الكتب أنها صدرت من لاعبين أساسيين شاهدوا بأعينهم وساهموا بجهدهم في تثبيت الثورة وترسيخها.
لم أكن أعرف أن صلاح سالم كسلان يحب المظاهر، وأنه ينفع للكلام، وأن أخاه طيب القلب سليط اللسان، عصبي، يضرب باليد والرجل، وعن عبدالحكيم عامر أنه رجل يحتاج إلى تنشيط المخ وإشعاله، وعن حجم الكراهية بين مجلس الثورة وبين اللواء محمد نجيب.
ويتجلى فتحي رضوان في ملاحظاته عن البطانة التي التفت حول الرئيس وممارسة كتابة التقارير عن الوزراء والقياديين، ويتحدث عن أساليب علي صبري، الذي ناصبه العداء.
ولا يختلف عنه في صرامته الوزير السابق سليمان حافظ، عضو الحزب الوطني المعارض، الذي سجل ذكرياته مع الثورة، في حوالي 180 صفحة، بدأت بدعوة علي ماهر رئيس الوزراء له ليصبح الخبير القانوني، في تنسيق مع العبدالرزاق السنهوري، لتعزيز أهداف الثورة.
مذكرات سليمان حافظ مملوءة بالإثارة وكل قضاياها بنفس الأهمية، الأول صراع نجيب مع الضباط الشبان وهم قيادة الثورة، ويأخذ الكاتب عليهم الارتجال في العمل وضياع الوقت دون تنظيم، وينتقد حساسيتهم من شعبية اللواء نجيب، ويلوم اللواء نجيب على عجزه لاتخاذ ترتيبات تحمي شعبيته عبر مساندة من الجيش وتنظيمات شعبية، بينما خصومه في الجيش أزالوه من القيادة وأتوا بالصاغ عبدالحكيم عامر قائداً ليشكل خلايا مؤازرة، كما يتحدث عن مفاوضات الجلاء بروح الناقد الذي اعتبر في الاتفاق تنازلات لا تستحقها بريطانيا، ويعزو ذلك إلى قلة خبرة فريق التفاوض المصري واستعجاله ليخلص من معضلة الجلاء ويتفرغ للحكم.
وفي الفصل المهم عن السودان الكثير من التفاصيل عن فشل الدبلوماسية المصرية في ترسيخ العلاقات مع السودان، وتبني الحزب الوطني السوداني بقيادة الأزهري الاستقلال عن مصر، كما يتحدث عن الشكوك المتبادلة بين علي ماهر ومجلس الثورة عن الإصلاح الزراعي ونظام الحكم.
ويقف القارئ على حدة الخصومة بين المؤلف وبين حزب الوفد ونظام الملكية، وينتهي الكتاب في فصل عن حرب السويس وشعور الكاتب بضرورة إنقاذ الوطن بعد أن تحطم الطيران الحربي وانسحاب الجيش المصري ونزول القوات البريطانية في بورسعيد، واتفاقه مع بعض الزعامات السياسية التاريخية، على تقديم مذكرة إلى عبدالناصر تسلمها البغدادي نيابة عنه، يطالب فيها بإعادة نجيب إلى الحكم وابتعاد ضباط الثورة، الأمر الذي أدى إلى اعتقاله وبقائه بالسجن إلى أن استقر الوضع.
كان فتحي رضوان مؤازرا، وكان سليمان حافظ مجادلا وناقدا، والاثنان في توافق على سوء الملك ونظامه وسوء الأحزاب وبالذات الوفد ورئيسه مصطفى النحاس باشا..