سمير عطا الله
بعد أيام نتذكر معاً ما لا يُنسى: نكسة 1967. كانت لها أسباب كثيرة ومسؤوليات كثيرة، جميعها قابل للنقاش، إلا واحداً أجمع الناس على ضرره المشين: «العصر الإذاعي!»، دمرت الشهوة الإذاعية علاقات مصر مع العرب ودمرتها مع الدول، وحرضت الشعوب على بعضها البعض، وملأت الدنيا أكاذيب. فلما حانت ساعة الحقيقة أغلقت أبواقها ومضت، تاركة لنا الخراب والركام والمرارة وعلقم الهزائم.
رغم كل شيء، فقد كان ذلك خطأ مصر. كبرى الدول العربية، وكانت مصر تخوض حرباً كبرى ضد الاستعمار وضد إسرائيل، وترفع راية فلسطين والقومية العربية، وتسترد قناة السويس، وترد عن نفسها العدوان الثلاثي. فماذا عن «العصر التلفزيوني» الذي حل محل «العصر الإذاعي»؟ من يرفع رايته وما قضيته ومن تحارب؟ إن عدوه الأول هو مصر، قضيته الأولى هي «القاعدة» ومشهده الأول هو «تورا بورا» وما كان يخرج منها من بلاغات ودعوات باسم حرية الرأي.
لا تستقيم حرية الرأي بأن تقدم دولة عربية أرضها لقاعدة عسكرية أميركية، وتفتح عاصمتها لمكتب تمثيلي إسرائيلي، وتحرِّض كل صباح وضحى ومساء على مصر، ولا تستقيم علاقة سوية عندما يكون «العصر التلفزيوني» موجهاً ضد دول الجوار، فإذا ميزان الأخوة وحسن النوايا، هو نشرات الأخبار، و«المداخلات» الشعبية من الخارج، بلهجة لا تذكِّر إلا بنبرة «صوت العرب» يوم كان فالتاً على العرب باسم العروبة.
مرة تؤكد قطر ومرة تنفي. ومرة تقول من دون نفي إنها قدمت قاعدة العديد لأميركا بسب الخوف من أطماع دول الجوار! وبسبب هذه الأطماع أقامت علاقة خاصة مع إسرائيل. إنه العذر المعروف بأنه أكثر قباحة من الذنب. إذا كانت قطر تعتبر الخليج صغيراً على سياساتها الكبرى وأهدافها الكونية، فهذا حقها. أما العرب فلهم حق واحد وهو أن تضب «العصر التلفزيوني» عن مصر. تكفينا المشاهد اليومية من ليبيا وسوريا والعراق. التحريض اليومي على مصر اعتداء سافر على أمنها وسلامتها وما بقي من سلامة الأمة. سواء كان البيان المنسوب إلى الأمير تميم صحيحاً أم مُتراجعاً عنه، فإن «العصر التلفزيوني» اليومي حيال مصر لا يمكن نفيه.
التعليقات