طيب تيزيني
لا شك أن النشاط المتسع عالمياً الآن ضد الإرهاب أمر ذو أهمية مبدئية بالنسبة لمخاطر كبرى تهدد العالمي، وهذه الهبّة ضد الإرهاب تعبر عن حالة نوعية جديدة من العمل على مواجهة مخاطر تواجه البشرية كلها، وربما بإلحاح خاص، فمن ناحية أولى، نلاحظ أن قسمات هذه المعركة وجدت ضمنياً في ثنايا وخبايا مواجهات المرحلة بصيغة خاصة من الإنسانية العمومية.
فبعد أن كانت المواجهات والصراعات تأخذ صيغاً اقتصادية واجتماعية وثقافية وأيديولوجية في إجمالها وعمومها، تجد نفسها الآن قد راحت تركز على أحادية فعل واحد، يتمثل في خطر القتل الدموي المباشر، أي إنهاء الحياة الفردية الخاصة والأخرى شبه الجماعية العامة.
لقد ظهر مأزق جديد ذو طابع فردي وكذلك جماعي، ويتمثل في هيمنة القتل ونشر الرعب على أيدي المجموعات الإرهابية في العالم، في فعل أخرق ومتعصب.
إن «مواجهة الإرهاب الدولي والمحلي» من قبل النظم المعنية عالمياً ومحلياً، ينبغي أن يكون طريقة لمنع تفاقم الصراع. وثمة أمر آخر أفصح عن نفسه ويفصح تقريباً في العالم كله، مع ظهور حالتين اثنتين، ترتبط الثانية منهما بالأولى بنسبة عالية، ونعني النظام العولمي الدولي، وقانون الاستبداد الرباعي خصوصاً في العوالم الأخرى، ومنها العالم العربي. فالأول من هذين خطَّ طريقه بقوة هائلة ليعم العالم، ما سمح لمجموعة من الباحثين هناك وهنا بالوصول إلى لبّ المشكلة.
فعلى الصعيد الأول وضع علماء اقتصاديون واجتماعيون وسياسيون خصوصاً تعريف الأول على النحو التالي، أنه هو ذاك النظام الدولي الذي يسعى إلى ابتلاع الطبيعة والمجتمع، وإلى هضمهما وتمثلهما وتقيئهما سلعاً في العالم أجمع.
وعلى ضوء هذا التعريف، توصل أحد الباحثين الاقتصاديين الأميركيين، إلى فكرة دقيقة وخطيرة تلقي ضوءاً ساطعاً على ذلك التعريف، نقول توصل إلى التعريف العميق الدقيق التالي: العولمة هي السوق المطلقة! مع الإشارة إلى ما فهمه مثقفون ومفكرون عرب آخرون، حيث اعتقدوا أن النظام المذكور إن هو إلا فتح جديد ديمقراطي في المنظومة الرأسمالية الامبريالية، هذا الفتح الذي يأخذ التصور التالي: النظام العولمي هو الذي فتح الأبواب الموصدة في العالم الغربي أمام الشعوب الغربية ثقافة ونشاطاً سياسياً وغيره... إلخ.
أما الاستبداد الرباعي فهو الاستئثار بالسلطة، والثروة، وبالإعلام، وأخيراً بالمرجعية، التي تحكم فيها أمران اثنان يرتدان إلى واحد، أنه الحزب القائد المتفرد الذي يقف على رأسه الزعيم المتفرد. ويلتقي ذلك كله عربياً في بعض الجمهوريات، بكل الطرائق والأساليب ويؤدي إلى إفساد من لم يفسد بعد، بحيث يصبح الجميع ملوثين وتحت «الطلب المناسب»!
ونود هنا لفت النظر فقط إلى الفكرة المطلوبة من الاستبداد المذكور، وهي «الطلب المناسب» إذ يكفي ذلك لضبط الموقف فننتقل إلى السؤال الوجودي التالي: ما العمل، إذن، في هذه الدائرة المغلقة أو التي هي في طريق الانغلاق المناسب.
إنه عالم يمثل سواراً في أيدي الجميع: الظلم والفقر في كل شيء، وغياب العمل والكرامة، ولعب على التعددية والديموقراطية، مع تأجيج صراعات بين الناس تلخص مساوئ التاريخ الخاص والعام، مضافاً إلى ذلك عالم العنف. وفي العالم العربي تجري أيضاً عملية تنسيق لكل ما يعيق التقدم التاريخي، ملخصاً في اللعب على الحرية السياسية والثقافية، وبعودة مؤزرة إلى الطائفية بديلاً للعروبة، وفتح البلاد لكل الباحثين في العالم عن المصالح الاستراتيجية في الوطن العربي، ورفض التسامح والتضامن... إلخ.
إن ذلك كله وغيره يسعى إلى التأسيس له من هم وراءه، وبالتوافق مع المتدخلين في الوطن العربي: إيران وقوى إرهابية مثل «داعش» وآخرون متسللون كـ«إسرائيل».
والسؤال: في هذا الوضع الفريد في خطورته، ماذا يمكن أن يطرح؟ إنها دوامة كونية جديدة تستدعي ثورات في السياسة والثقافة والعمل التربوي الديمقراطي، مساهمة في إيجاد أجيال تدرك ماذا يعني ذلك، بعيداً عن أسباب الإخفاق السياسي والتنموي لبعض النظم الفاشلة.
التعليقات