حاخام يهودي: الصهيونية حركة استعمارية واليهودية دين لا دولة

 صالح القلاب

 كان يجب أن يتم التعاطي بالنسبة للقضية الفلسطينية وللصراع في الشرق الأوسط، ومنذ البدايات، على أساس أن إسرائيل القائمة الآن قد كانت مشروعاً صهيونياً استعمارياً، وليست مشروعاً دينياً يهودياً، وأنَّ إقامتها كانت تجديداً للمشروع الاستعماري القديم الذي أطلق عليه الغرب اسم: «الحروب الصليبية»، إرضاءً لـ«بابا الفاتيكان» ولاستقطاب المتطوعين الأوروبيين للقتال في تلك الحروب، التي أطلق عليها العرب اسم: «حروب الفرنجة»!

ولهذا فإنَّ «أبو عمار» - رحمه الله - ومعه باقي أعضاء اللجنة المركزية لحركة «فتح»، وأكثرهم حماساً لهذه الفكرة هو الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، كان قد حرص على تعيين عدد من اليهود كأعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني. وحقيقة أنه كان بالإمكان الذهاب في تلك الخطوة الصحيحة والبالغة الأهمية بعيداً، لو لم تكن هناك معارضة من قبل بعض الفصائل الفلسطينية، وأيضاً من قبل بعض الدول العربية والإسلامية، التي كانت تنظر إلى هذا الصراع من زاوية دينية، وليس من زاوية سياسية، وعلى اعتبار أن الحركة الصهيونية وإسرائيل ليست مشروعاً يهودياً، وإنما مشروع استعماري غربي.


كان على العرب أنْ يدركوا ومنذ البدايات منذ صدور إعلان «وعد بلفور» أنَّ هناك فرقاً بين الصهيونية كحركة استعمارية غربية واجِهَتُها ليونيل روتشيلد، وثيودور هيرتزل، وبين اليهودية كدين، وأن هذه الدولة التي أقيمت على جزءٍ من فلسطين في عام 1948 لم تكن مشروعاً دينياً يهودياً، وإنما كانت مشروعاً استعمارياً غربياً، والدليل هو أن الجنرال الفرنسي غورو عندما دخل دمشق بقواته الغازية، توجه إلى قبر صلاح الدين الأيوبي، ووقف أمامه وقال: «ها قد عدنا يا صلاح الدين»، والمقصود هنا هو التذكير بأن الفرنجة قد عادوا إلى هذه البلاد بعد نحو ثمانية قرون من إخراجهم منها.
وهنا، فإن ما تجدر الإشارة إليه هو أن الفلسطينيين، وتحديداً قادة حركة «فتح» كانوا يدركون حقيقة أنَّ هذه الدولة الإسرائيلية ليست مشروعاً دينياً، وإنما هي مشروع سياسي استعماري وكل هذا، وإن المفترض بعد كل هذه الفترة الطويلة أنه بات معروفاً أنَّ مصطلح «الحروب الصليبية» هو مصطلح غربي أوروبي، وأن العرب قد أطلقوا على تلك الحروب التي استهدف الأوروبيون بها فلسطين وهذه المنطقة كلها، اسم «حروب الفرنجة»، وبدوافع اقتصادية وسياسية لا علاقة لها لا بالمسيح - عليه السلام - ولا بالصليب، وأنها كانت غزواً استعمارياً، وعلى غرار ما حدث لاحقاً في الحرب العالمية الأولى، عندما تقاسم الغزاة المستعمرون هذه المنطقة كلها، وأقاموا هذه الدولة الصهيونية في فلسطين.


لم يرد في كل ما كتبه أسامه بن المنقذ عن صلاح الدين الأيوبي وعن غيره، أي ذكر لـ«حروب صليبية»، فالعرب والمسلمون لم يكونوا يعتبرون تلك الحروب حروباً دينية؛ بل اعتبروها حروباً مع غزاة ومستعمرين، ولذلك فإنهم أطلقوا عليها اسم «حروب الفرنجة»؛ في حين أن الفرنسيين والبريطانيين ومن شارك معهم في ذلك الغزو، قد أطلقوا عليها الاسم الآخر، أي «الحروب الصليبية»، لإقناع بابا الفاتيكان والأوروبيين بمعظمهم، بأن هذه الحروب هي حروبهم، وأن عليهم أن يؤيدوها ويشاركوا فيها.
والمهم ورغم مرور سبعين عاماً على قيام هذه الدولة الصهيونية، كمشروع استعماري غربي، أصبح عنوانه قرار دونالد ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها، فإن المؤكد أن هناك تنظيمات يهودية، إنْ في الولايات المتحدة وإنْ في كثير من الدول الأوروبية، وأيضاً إنْ في العالم كله، ترفض الاعتراف بهذه الدولة كدولة لليهود. وهذا ينطبق على الطائفة السامرية (شمرونيم) التي مركزها الأساسي في أحد جبال مدينة نابلس في الضفة الغربية.
إنه بالإمكان قول كثير في هذا المجال؛ لكن ما تجب الإشارة إليه هو أنَّ آخر من أدلى بدلوه في هذا المجال هو الحاخام الكبير يعقوب شبيرو، المقيم في الولايات المتحدة، الذي يبدو أنه يتزعم طائفة يهودية مؤثرة وكبيرة، الذي رفض قول ترمب: «إننا سننقل السفارة الأميركية إلى القدس... عاصمة الشعب اليهودي».
قال الحاخام شبيرو: «إن الرئيس ترمب حرٌّ بإقرار سياسة بلاده الخارجية كما يشاء، وحتى لو اعتبر أن (ميامي بيتش) عاصمة إسرائيل؛ لكن عندما يبدأ بالحديث عن الشعب اليهودي فإنه يدخل في الدين. إن هذا هو اختصاصي، إذْ لا توجد أي علاقة سياسية على الإطلاق بين الشعب اليهودي والقدس. إنها مجرد مدينة مقدسة، والشعب اليهودي لم تكن له عاصمة من قبل. الشعب اليهودي ليس له بلد ولا دولة ولا منطقة. الشعب اليهودي هو مجموعة دينية. نحن نصلي في اتجاه القدس فقط؛ لأنها مدينة مقدسة، وليس لأنها عاصمة سياسية لا يهم من له السيادة عليها. القدس مقدسة بالنسبة لنا، ولا يهمنا تحت أي سلطة تقع. لا يهمنا إذا كانت تقع تحت سلطة الأتراك أو الرومان أو الإنجليز. لقد بدأ الصهاينة العمل لخلق عاصمة سياسية للشعب اليهودي، وهذه الفكرة تتعارض بشكل مباشر مع صميم الدين اليهودي».


وأضاف: «في سيناء، في الصحراء، قال لنا الله في التوراة: إن الشعب اليهودي ليس شعباً بسبب أرضٍ أو لغة أو حضارة. نحن عبارة عن دين، وعندما قبلنا بهذا الدين فقد أصبحنا الشعب اليهودي. لم تكن لدينا أي أرض أو إقليم أو عاصمة، ورجال الدين يقولون إن الله أعطانا التوراة في الصحراء، ليقول لنا إن الأرض ليس لها علاقة بإيمانكم باليهودية».
واستطرد الحاخام شبيرو قائلاً: «إن البابا زار نتنياهو، وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي يتفاخر أمامه بأن المسيح عاش هنا، وكان يتكلم العبرية، فرد البابا عليه بأن المسيح كان يتكلم الآرامية. فقال نتنياهو: (نعم لكنه كان يعرف بعض العبرية). إن العبرية لم تكن أبداً لغة الشعب اليهودي. كانت مجرد لغة مقدسة مثل الأرض المقدسة. حتى لو أننا افترضنا أو ادَّعينا أن الشعب اليهودي له عاصمة، فإن هذا لا يعني أن القدس هي عاصمة اليهود. إسرائيل ليست الشعب اليهودي. إنها عبارة عن كيان أنشئ في عام 1948. وعندما نسمع الصهاينة يقولون بأن للقدس علاقة بالشعب اليهودي على مدى ألفي عام، فهذا صحيح، ولكنه لا يعني أنها عاصمة إسرائيل».
أضاف الحاخام شبيرو: «لقد وُجدت المسيحية الإنجيلية قبل مئات السنين من الصهيونية اليهودية، ولأن الإنجيليين لهم تأثير كبير في بريطانيا، فقد اعتمد الصهاينة على التفسير والتأويل الإنجيلي، وهذا هو ما يستخدم اليوم؛ حيث يختار نتنياهو تعبيراته من المصطلحات المسيحية الإنجيلية. إنه يفضلها على العبرية. عندما يتكلم الصهاينة عن الكتاب المقدس فهم يتحدثون عن النسخة الإنجيلية وليست اليهودية. إنه لا يحق لنتنياهو القول إن دولته هي لي كيهودي. أنا ولدت في أميركا، وأمي ولدت في بولندا، ووالدي ولد في إنجلترا. نحن يهود وليس لنا أي علاقة بإسرائيل. إننا متدينون ونتنياهو يناقض ويعارض اليهودية. إن إسرائيل كدولة لا تعني لي أي شيء. إن وجود إسرائيل اعتداء على الدين اليهودي. إن اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل هو تحويل للهوية الدينية إلى هوية قومية سياسية، وهذا اعتداء على الدين اليهودي».


وأنهى الحاخام يعقوب شبيرو، الذي من المفترض أنه معروف للفلسطينيين وللعرب ولكل من تهمهم القضية الفلسطينية: «لقد قال بنيامين نتنياهو: (إن القدس مرتبطة بنا كيهود، ولذلك فإنها يجب أن تكون جزءاً من إسرائيل)، وهذا غير صحيح، فقداسة هذه المدينة المقدسة ليست مرتبطة بمن يحكمها. ولهذا فإنه من المؤكد أنه لا يوجد سبب لأن تكون جزءاً من إسرائيل».
وهكذا وفي النهاية، أليس من المفترض يا ترى أن يكون هناك اهتمام بهذا الحاخام وبهذه المجموعات اليهودية، إنْ من قبل الفلسطينيين، وإن من قبل العرب، وإن من قبل المسلمين أيضاً!
* ملحوظة: ما جاء في عنوان المقال من قول الحاخام مسجل بالصوت والصورة.