سطام المقرن

من حق النساء الدخول في حقلي الإفتاء والقضاء، حتى تكون لهن رؤية وقراءة للدين والحقوق القانونية، فلا ينبغي حصر التفاسير الدينية بالرؤية الذكورية

تقدم أعضاء من مجلس الشورى بتوصية تتضمن «تمكين الكفاءات النسائية الحاصلة على التأهيل الشرعي والقانوني من تولي الوظائف القضائية»، حيث برر أعضاء المجلس توصيتهم «بتوافر كفاءات نسائية شرعية وقانونية لديهن الجدارة الكاملة لتولي الوظائف القضائية، ووجود نقص في عدد القضاة، مع توافر الوظائف القضائية الشاغرة».
بالإضافة إلى ما سبق، ذكر أعضاء مجلس الشورى أن مسألة تولي المرأة للقضاء ما هي «إلا أقوال اجتهادية، والمسائل الاجتهادية عادة ما تخضع لتغير الزمان والمكان وما تقتضيه المصلحة العامة. ولا يوجد في الشريعة نص قطعي يحرم المرأة من ممارسة القضاء»، وهذه التوصية جاءت أيضا مع مطالبة عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله المطلق من مفتي المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، الموافقة على تعيين «مُفتيات» من النساء في هيئة كبار العلماء، حيث ذكر الشيخ المطلق ما نصه «سابقا عندما لم يكن لدينا فقيهات كنا نرى أن هذا واجب علينا، أما الآن -ولله الحمد والفضل- لدينا من أخواتنا وبناتنا الكثير الكثير من فيهن الخير والكفاءة والتفقه في الدين».
وبناء على ما سبق، تمثل المطالبات السابقة بتمكين المرأة في القضاء والإفتاء، رؤية تجديدية في الفقه الإسلامي وخطوة إلى الأمام نحو الإصلاح الديني، خاصة أن بعض الفقهاء يرون عدم جواز تولي المرأة لمنصب القضاء، ففي مجال «الولاية العامة للمرأة» يقول الفقهاء: «دلت السنة ومقاصد الشريعة والإجماع والواقع على أن المرأة لا تتولى منصب الإمارة ولا منصب القضاء، لعموم حديث أبي بكرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما بلغه أن فارسا ولّوا أمرهم امرأة قال: «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة»، فإن كلا من كلمة: (قوم)، وكلمة (امرأة) نكرة وقعت في سياق النفي فَتَعُم، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو معروف في الأصول». 
ويقولون أيضا عن المرأة: «وذلك أن الشأن في النساء نقص عقولهن، وضعف فكرهن، وقوة عاطفتهن، فتطغى على تفكيرهن، ولأن الشأن في الإمارة أن يتفقد متولوها أحوال الرعية.. فيضطر إلى الأسفار في الولايات، والاختلاط بأفراد الأمة وجماعاتها... ونحو ذلك مما لا يتناسب مع أحوال المرأة».
وبناء على ما سبق، فإن الذين يرفضون تولي المرأة لمناصب القضاء والإفتاء يستندون في المنع والتحريم على الحديث النبوي القائل: «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة»، وعدوا كلًّا من كلمتي: (قوم) و(امرأة) نكرة وقعت في سياق النفي، وعليه تمنع كل امرأة في أي عصر من العصور من أن تتولى أي شيء من الولايات العامة، مع أن صياغة الحديث هو الخبر لا الإنشاء، ومضمون الخبر هو قضية خارجية تتعلق بدنيا الناس، وعن زوال ملك فارس، وليس تشريعا عاما يحرّم تولي المرأة لتلك المناصب.
كما أن مسألة الإجماع على التحريم غير دقيقة، فالأجواء الثقافية والظروف البيئية التي كان يعيشها الفقهاء السابقون، تفرض عليهم نمطا معينا من التفكير تجعل مضامين الحديث النبوي الشريف منسجمة مع هذا التفكير والواقع الاجتماعي لذلك العصر، ولكن البعض يرى أن فهم الفقهاء للحديث أقرب إلى واقع التشريع من المتأخرين، وبالتالي نجد أن هناك جمودا فكريا لكثير من فقهاء اليوم بسبب اتباع وتقليد الأوائل، وذلك في ظل التغيرات الحديثة التي يعيشها المجتمع اليوم، فأصبح بعض الفقهاء -للأسف- يعالجون مشكلات اليوم بأفكار الأمس والماضي، وفي الغالب يفشلون في معالجة مشاكل المجتمع المعاصرة، وبالتالي فإن الإجماع لا يكون حجة كما هو الثابت في علم الأصول.
وبغض النظر عن صحة الحديث من خلال قوة السند أو من خلال إسناده بروايات أخرى، فهناك معيار مهم يعتمد عليه علماء الحديث، وهو مقارنة متن الحديث بما جاء في القرآن، فإذا وافق ذلك كان الحديث صحيحا ولا غبار عليه، والعكس صحيح، والحديث غير موثق بنص من القرآن، كما أن القرآن يقص علينا قصة «ملكة سبأ»، وهي امرأة فأثنى عليها ووصفها بالحنكة السياسية والتعامل العقلاني مع الأحداث، ومع ذلك فإن بعض دعاة الدين يعتبر ذلك شبهة، ويقول عنها بأنها كانت امرأة تعيش في الضلال والكفر، وحاولت أن ترشي النبي سليمان، عليه السلام.. فأين هي الحنكة والعقلانية؟ ومع إسلامها مع سليمان لم يعد لها ملك أو ولاية!.
ولكن من يقرأ الآيات بتمعن يجد أن ملكة سبأ قد أفلحت في إخراج قومها من الظلم والانحراف إلى الهدى والإيمان، بعكس الرجال أمثال فرعون والنمرود وغيرهم، وأما بالنسبة للواقع الذي يستدل عليه الفقهاء في المنع والتحريم، فيبدو أنه الواقع التاريخي وليس الواقع الحاضر.
لقد قرأنا في كتب التاريخ والسير أن كثيرا من الصحابيات كن يمارسن الإفتاء، وأشهرهن على الإطلاق أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، وأم المؤمنين صفية، وأم حبيبة، رضي الله عنهن، وأسماء بنت أبي بكر، وأم شريك، وأم الدرداء، وعائشة بنت زيد، وغيرهن الكثير، فإذا كان من الثابت أنه يجوز أن تكون المرأة مفتية، وبالتالي يجوز أن تكون قاضية قياسا على هذا، لأن القضاء والإفتاء كلاهما إخبار بالحكم.
لذا من حق النساء الدخول في حقلي الإفتاء والقضاء، حتى تكون لهن رؤية وقراءة للدين والحقوق القانونية، فلا ينبغي حصر التفاسير الدينية بالرؤية الذكورية، وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن النصوص الدينية يمكن تفسيرها برؤية نسائية، ومن ثم التأثير على رؤية الفقهاء ورجال الدين والمجتمع نحو المرأة، والنساء اليوم قادرات على الدخول في هذا المعترك وتقديم رؤيتهن، وبالتالي التأثير على الرؤية السائدة تجاه المرأة التي سوف تترك آثارها على التجديد الفقهي، وعلى أخلاق المجتمع، وتغير العلاقة بين الرجل والمرأة أيضا.