محمد الطميحي

لا يمكن أبداً تحقيق سلام لوضع حد لأي حرب أو نزاع بدون وجود شريك حقيقي راغب في تحقيق هذا السلام، هذه هي المعضلة التي يواجهها اليمن في ظل الصراع الذي تخوضه الشرعية لاستعادة السيطرة على المناطق الخاضعة للانقلابيين فيما تبقى من مدن ومحافظات يمنية.

لم يكن الحوثيون يوماً شركاء سلام فهم منذ تأسيس ما يسمى بحركة الشباب المؤمن على يد حسين بدر الدين الحوثي في التسعينيات وضعواً أمام أعينهم خيارين إما السيطرة على البلاد وإعادة حكم الإمامية الدينية، أو تدميرها بالكامل في سبيل تحقيق ذلك.

هذا ما تثبته الحرب العبثية الخاسرة التي تشنها ميليشيا الحوثي الآن على الشعب اليمني، وما من مراقب أو خبير إلا ويؤكد أن المعركة باتت محسومة لصالح تحالف الشرعية الذي أصبحت قواته على مشارف صعدة معقل الحوثيين وحاضنتهم الشعبية.

ومع إدراك الحوثيين لذلك إلا أن إصرارهم على الاستمرار في المعركة رغم التنازلات التي قدمتها حكومة الرئيس هادي في التعاطي مع المبادرات التي عرضتها الأمم المتحدة يطرح الكثير من التساؤلات حول ما إذا كان عبدالملك الحوثي يملك قرار الحرب والسلم أم أنه مرهون بجهات خارجية لا تريد إيقاف الحرب في اليمن مهما كانت التكلفة والخسائر البشرية.

لفهم هذا الواقع لا بد من إعادة تحليل الحركة الحوثية والأسس التي قامت عليها والسبب الذي يجعل آلاف اليمنيين يقاتلون في صفوفها وكأنهم تحت تأثير حالة من السحر أو التنويم المغناطيسي حتى يقوموا بدورهم بإخضاع الشعب اليمني بالعنف والترهيب.

استغل الحوثيون حالة الجهل والفقر التي انتشرت في مناطقهم للسيطرة على الموالين لهم، تارة بزرع بعض العقائد الدينية الفاسدة في عقولهم بما يرسخ مفاهيم الولاء والسمع والطاعة العمياء، وتارة بتأليب المواطنين على الحكومة في صنعاء التي ظلت لسنوات عاجزة عن إيجاد أي ملامح تنمية في هذه المحافظة التي كانت ولا زالت توصف بالنائية.

وهي بذلك تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية فياليتها استبدلت الدبابات والمدافع في حروبها الست بمعدات الزراعة والتعمير واشترت مقابل الرصاص والبارود أقلاماً وطباشير لتحرير أبناء صعدة وما جاورها من القيود الفكرية التي فرضها عليهم الحوثويون لعقود.

من الهادوية الزيدية جنح بدر الدين الحوثي الأب إلى الجارودية التي تكفر الخلفاء الراشدين أبو بكر وعمر وعثمان اعتقاداً بأنهم قد اغتصبوا الخلافة من سيدنا علي رضي الله عنهم جميعاً وبهم بذلك أقرب إلى المذهب الاثني عشري، وهو ما مهد لعلاقة بين بدر الدين وابنه حسين والفكر الثوري الطائفي الذي تبنته إيران وسعت من خلاله إلى خلق اتباع لها في العراق ولبنان والبحرين واليمن.

من يبحث في البيئة التي أحاطت بنشوء ميليشيا حزب الله في لبنان سيجدها تتكرر مع حركة الشباب المؤمن أو ما عرف فيما بعد بأنصار الله في اليمن.

ذات الشعارات والأهداف وذات الولاء للمرشد الإيراني علي خامنئي باعتباره الولي الفقيه المنوط به قيادة الأمة حتى ظهور الإمام المهدي كما يدعون.

أمين حزب الله حسن نصرالله اعترف بذلك صراحة إلا أن الوضع في اليمن تتطلب مقاربة أخرى استدعت شخصية من الفكر الشيعي تسمى باليماني وأسقتطها على حسين الحوثي الذي جعل منه بعض اتباعه المهدي المنتظر وأنه لا يقل مرتبة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا ما تم توثيقه في الاعترافات المسجلة للمئات من أسراهم.

ورغم أن مقتله على يد الجيش اليمني في الحرب الأولى عام 2004 م يؤكد زيف هذه المعتقدات إلا أن المعارك استمرت بشعارات أخرى تغلفها الرغبة في الانتقام للسيد الراحل ومدفعوعة بالأوضاع المعيشية السيئة داخلياً، وحالة الغليان التي شهدها الشارع العربي واليمني بالتزامن مع الاحتلال الأميركي للعراق، لذلك كان شعار الموت لأميركا الموت لإسرائيل رائجاً في صفوف التيار الحوثي رغم بعد المسافة ومحدودية التأثير لهذه الحركة المحاصرة في مساحة جغرافية محدودة في شمال اليمن.

فشلُ الرئيس اليمني الراحل على عبدالله صالح أو بالأحرى عدم جديته في القضاء على الحوثيين خلال سبع سنوات من المواجهة العسكرية من 2004 حتى 2010م جعلهم أكثر إصراراً على الإطاحة به والوصول إلى السلطة لذلك مثلت لهم ثورة الشباب اليمني في 2011 فرصة مواتية للوصول إلى قلب العاصمة صنعاء والتمترس في مفاصلها الحيوية تمهيداً لانقلاب سبتمبر 2014 رغم التوقيع على اتفاق السلم والشراكة قبل ذلك بأشهر.

الخلاصة.. لا يمكن تحقيق أي سلام في اليمن يكون الحوثيون شريكاً فيه.. فقد عرف عنهم الغدر ونقض المواثيق وما اغتيالهم لعلي عبدالله صالح إلا مثال حقيقي على ذلك، وحتى لو استجابوا لخطة السلام التي طرحتها الأمم المتحدة مجبرين بحكم خسائرهم الأخيرة فإنهم إذا لم يبادروا للانقلاب عليه سيكونون أقرب إلى مليشيا حزب الله التي شرعنتها التحالفات السياسية وجعلتها أمراً واقعاً في لبنان رغم ما عرف عنها من إرهاب وعمالة لإيران.

إن من ينادي بالسلام مع الحوثيين كمن ينادي بتحقيقه مع التنظيمات المتطرفة كداعش والقاعدة فهم رغم اختلاف المذهب لا يؤمنون سوى بالقتل والدمار وهذا ما لا يمكن قبوله على الشعب اليمني خصوصاً بعد ثلاث سنوات من المواجهة والتضحيات.

انطلاقاً من المناطق المحررة.. حاربوهم بالتعمير والأمل ومكافحة الجهل والفقر، وعندها سيثور عليهم كل شبر من اليمن السعيد، فاعتماد المواجهة العسكرية دون التنمية كما فعل صالح سيجعل البلاد رهينة للفكر الحوثي وغيره من التيارات الرجعية.. حتى لو تحقق النصر.